fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

أطفال سوريا.. معاناة لا تنتهي

40

أطفال سوريا.. معاناة لا تنتهي

مأساة مرَّ عليها أكثر من 13 عامًا، شهد خلالها السوريون كل أنواع القتل والإبادة والتهجير، والاعتقالات، والاستغلال، وجرائم لا تُحصى!

وأكثر من 13.5 مليون بين قتيل وجريح ولاجئ ونازح، وتحديدًا أكثر من نصف مليون قتيل، وأكثر من 13 مليون لاجئ ونازح؛ بجانب الإصابات والإعاقات، والاختفاء والتجنيد القسريين؛ وسط كل هذه المعاناة كانت -ولا تزال- سوريا شاهدًا عيانًا منذ عام 2011 وحتى اليوم على كل أنواع الانتهاكات بحق الأطفال، فكل ما قد نعلمه -أو لا نعلمه- من جرائم وعدوان؛ قام بها بشار الأسد ونظامه وحلفاؤه من ميليشيات روسيا وإيران في حق الأطفال، بداية من الاستغلال في تجارة المخدرات والتجنيد والاختطاف والاعتقال وحتى القتل والقصف والتصفية.

فنظام بشار وأعوانه قتلوا عشرات الآلاف من الأطفال السوريين، وهجَّروا الملايين، وتركوا الآلاف بين معاقين أو معتقلين داخل السجون حتى الآن؛ اليوم تستخدمهم ميليشيات إيران في ترويج وبيع المخدرات، كما تُخضعهم لعمليات معملية لإجراء تجارب المخدرات عليهم، حتى بات بشار الأسد ونظامه أكثر من ساهموا في تصفية أبناء وصغار وطنهم عبر التاريخ.

قتل وتعذيب واعتقال:

وثَّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مقتل أكثر من 30288 طفلًا سوريًّا؛ منهم: أكثر من 200 طفل قُتِلوا بسبب التعذيب منذ عام 2011 وحتى اليوم، على يد بشار الأسد وحلفائه. وما لا يقل عن 5263 طفلًا لا يزالون قيد الاعتقال التعسفي أو الإخفاء القسري في سجون نظام بشار.

وبحسب بيان الشبكة: فإن بشار الأسد ونظامه وميليشيات روسيا وإيران داخل سوريا، مارسوا أسوأ أشكال العدوان بحق الأطفال منذ اندلاع الثورة السورية الشعبية ضده عام 2011 وحتى الآن. وأكدت الشبكة: أن الأطفال السوريين قتلوا في القصف الجوي العشوائي وبالغازات السامة، وأن روسيا وإيران انتهجتا العديد من أشكال العدوان ضد الأطفال، وأن النظام السوري أكثر من قام بجرائم على نحوٍ نمطي ومنهجي ضد الأطفال، والتي بلغت مستوى الجرائم ضد الإنسانية والإبادة.

وأوضح البيان: أن استغلال الأطفال وتعذيبهم لا يزال قائمًا في سوريا، وبالرغم من عودة بشار الأسد ونظامه للجامعة العربية والاعتراف بوجوده؛ إلا أنه لا يوجد من يحمي الأطفال منه ومن قمعه وجرائمه حتى الآن. وطالب البيان المجتمع الدولي بالعمل على إعادة تأهيل ورعاية الأطفال السوريين الأيتام والمشردين داخليًّا. وأوضح: أن ميليشيا بشار ونظامه ومرتزقة إيران قَتَلوا وحدهم 23045 طفلًا سوريًّا، وأن ميليشيات روسيا قتلت 2055 طفلًا سوريًّا، وجهات أخرى قتلت 1889 طفلًا سوريًّا، وقتلت قوات التحالف الدولي – أمريكا وأوروبا – 926 طفلًا سوريًّا.

أسوأ بلد في العالم:

تؤكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان: أن تقرير الأمين العام حول الأطفال والنزاع المسلح، يظهر أن سوريا أسوأ، ومن أسوأ بلدان العالم في عدة أنماط من الانتهاكات؛ حيث صنَّفت الأمم المتحدة سوريا أنها الأسوأ في العالم من حيث عمليات القتل والتشويه، والاعتداء على المدارس؛ تلتها: أفغانستان والصومال.

وجاءت سوريا ثالث أسوأ بلد في العالم من حيث استخدام المدارس لأغراض عسكرية، وكانت قوات النظام السوري هي أسوأ أطراف النزاع من حيث حالات الاعتداء على المدارس، وثاني أسوأ بلد في العالم من حيث عمليات الاعتداء على المشافي بعد فلسطين، ورابع أسوأ بلد في العالم من حيث عمليات الاحتجاز ومنع المساعدات الإنسانية.

وعلى صعيد تجنيد الأطفال جاءت سوريا في المرتبة الثانية بعد الصومال؛ أما على صعيد احتجاز الأطفال فتأتي سوريا رابع أسوأ بلد في العالم في هذا السياق بعد العراق وفلسطين والصومال. وعلى صعيد المساعدات الإنسانية، جاءت سوريا رابع أسوأ بلد على مستوى العالم، وكانت قوات النظام السوري هي أسوأ أطراف النزاع.

قتلى وأيتام وأرامل:

يؤكد الدفاع المدني السوري: أن الأمطار والعواصف الثلجية والصقيع القاسي قضى على حياة الأطفال داخل المخيمات. ويذكر تقرير لمنظمة “كير” الدولية -التي تعنى بالشؤون الإنسانية وتقديم الإغاثة الطارئة-: أن الأطفال هم أول الموتى في المخيمات؛ بسبب البرد وتراكم الثلوج، وأنه لا يوجد مخيمات لم تشهد ضحايا من الأطفال من البرد أو من حريق في الخيام بسبب اشتعال مواد التدفئة.

ويؤكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”: أن الطقس شديد البرودة يدمر مئات الخيام كل عام. ووفق إحصائية فريق “منسقو الاستجابة” في الشمال السوري، بلغ عدد الأيتام شمال غرب سوريا 197 ألفًا و865 يتيمًا من النازحين والسكان حتى 2021، بينما بلغ عدد الأرامل السوريات اللاتي لا معيل لهن 46 ألفًا و302 أرملة، وأعداد ذوي الاحتياجات الخاصة بلغت 199 ألفًا و318 حالة إنسانية، معظمهم لا يتلقون رعاية أو مساعدات.

أطفال سوريا والمخدرات:

تزداد تجارة المخدرات في الشمال السوري بشكل مكثف سواء في الشمال الغربي الذي يكتظ بأكثر من 6 ملايين نازح في إدلب وحلب ومحيطهما، أو في الشرق السوري ومناطق سيطرة الأكراد. ويستغل بشار الأسد وحكومته وميليشيات إيران الأطفال لصناعة وترويج وبيع المخدرات، حيث تتفشى مهنة “الحوَّاج” وتعني جامع الخردوات والبلاستيك من الأحياء والمناطق الشعبية، وتعد هذه المهنة أحد أهم الطرق لبيع المخدرات. وتقوم الميليشيات الإيرانية والحكومية التابعة لبشار الأسد بخطف الأطفال والمراهقين واستخدامهم كحقول تجارب لاختبار المخدرات بعد صنعها وقبل ترويجها وبيعها، وبعد فترة تظهر جثث الأطفال ويُكتشف أنهم قد ماتوا نتيجة تجارب للعقاقير المخدرة أجراها عليهم مسؤولون عن إنتاج المخدرات تابعون للحرس الثوري الإيراني. وفي فبراير الماضي 2024، اختفى أطفال غرب مدينة دير الزور كانوا يعملون لدى أحد تجار المخدرات الذي يغطي نشاطه بصفة تاجر خردوات ويدير شبكة مؤلفة من 70 طفلًا، وبعد البحث عُثر على طفلين بحالة صحية حرجة في مستشفى السلوم بدير الزور، وفارق ثلاثة منهم الحياة بسبب جرعة عالية من المخدرات.

وتستغل ميليشيات طهران ونظام بشار الأطفال في إنتاج وبيع المخدرات وتهريبها عبر الحدود لتمويل أنشطتهم. وفي نوفمبر الماضي 2023، اختفى عشرات الأطفال عقب ذهابهم في رحلة ترفيهية ينظمها المركز الثقافي الإيراني للأطفال إلى مدينة ألعاب تدعى حديقة “كراميش”، وكان معظم الضحايا الأطفال يعملون في مهنة “الحوّاج”.

تنقسم مدينة دير الزور -على سبيل المثال- إلى 5 قطاعات؛ يدير كل قطاع شخص محلي يعمل لديه ما لا يقل عن خمسين طفلًا من أبناء النازحين في تجارة المخدرات. ومديرو هذه القطاعات من المجرمين ومروجي المخدرات المعروفين في المدينة، ويرتبطون بمسؤولين إيرانيين محددين، ويشرفون على عملهم بشكل مباشر. ويشرف على هذه المجموعات الحرس الثوري الإيراني، وتقوم الميليشيات بإجراء اختبارات وتجارب المخدرات على الأطفال في مراكز طبية مصغرة ومجهزة في المربع الأمني الإيراني.

معاناة لا تنتهي:

تؤكد الشبكات الحقوقية: أن سوريا بلد غير آمن لعودة اللاجئين أو النازحين. وتشدد الشبكة السورية لحقوق الإنسان على أن نظام بشار الأسد ما زال يمارس جرائم ضد الإنسانية، ولم يقدم أي بادرة حسن نية، وما زال يعتقل قرابة 136 ألف مواطن سوري، بينهم 8400 امرأة. ووفق مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، فإن هذه الانتهاكات لن تتوقف مع بقاء الأجهزة الأمنية المستمرة بذات النهج منذ عام 2011. موضحًا: أن معظم اللاجئين السوريين يرغبون بالعودة إلى حياة طبيعية في سوريا، وليس إلى الموت أو الاعتقال التعسفي والتجنيد الإجباري.

حذر ممثل اليونيسف في سوريا من أن الحرب لا تقضي على حاضر أطفال سوريا، وتهدد مستقبلهم أيضًا. مشيرًا إلى أنه بعد 10 سنوات، ترك النزاع 90% من الأطفال السوريين في حاجة إلى المساعدة. يعاني أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخامسة في سوريا من التقزم نتيجة سوء التغذية المزمن. كما أن حوالي 2.45 مليون طفل في سوريا و750 ألف طفل سوري إضافي في الدول المجاورة لا يذهبون إلى المدرسة، وتم تجنيد أكثر من 5700 طفل للقتال؛ بعضهم لا تزيد أعمارهم عن سبع سنوات، وتعرض أكثر من 1300 مرفق تعليميّ أو طبيّ وأفراد طواقمها للهجوم.

مقترحات لحل الأزمة:

قد يكون الحل الأمثل لحل أزمة السوريين اللاجئين والنازحين، بما فيهم من أطفال ومرضى وحتى المعتقلين، إزاحة بشار الأسد ونظامه عن المشهد السوري، وكذلك حلفائه الإيرانيين والروس، وخروج قوات التحالف الدولي من سوريا، ونزع السلاح من المعارضة السورية وكل الجماعات المسلحة.

ولكون هذه الحلول مستحيلة؛ فهناك بعض الحلول التي قد تكون أخف وطأة حال تنفيذها، وتساعد في تخفيف مأساة السوريين كالآتي:

  • الضغط الإسلامي والعربي على المانحين لزيادة الدعم المادي للمؤسسات الدولية والإقليمية العاملة في سوريا والمسؤولة عن توصيل المساعدات الغذائية والدواء للسوريين.
  • إنشاء لجان تحقيق دولية وأممية في جرائم نظام بشار الأسد، وميليشيات إيران، بشأن عصابات الاتجار في البشر واستغلال الأطفال بشكل عام، وبالتحديد أطفال سوريا.
  • توفير مساكن أو خيام مجهزة في الشمال السوري لتستوعب مئات الآلاف من النازحين الذين يسكنون مدارس الأطفال تحديدًا في الشمال السوري.
  • إعادة ترميم المدارس شرق وغرب الشمال السوري التي كان يسكنها النازحون لإعادة العملية التعليمية للأطفال من جديد.
  • تقع مسؤولية حماية وإنقاذ الأطفال السوريين من نظام بشار الأسد وميليشيات إيران على المجتمع الدولي، وبالتحديد الأمم المتحدة، وكذلك تقع مهام التفتيش ولجان التحقيق لحماية السوريين على منظمات الأمم المتحدة؛ مثل: منظمة الصحة العالمية، ومنظمة رعاية الطفولة -اليونسيف-.
  • على جامعة الدول العربية والأنظمة العربية كما أعادت بشار الأسد إلى مقعده في الجامعة واعترفت بوجوده، أن تلزمه بإخراج المعتقلين من الأطفال وحمايتهم من الميليشيات الإيرانية.
  • يظل أيضًا على عاتق جامعة الدول العربية حل أزمة اللاجئين والنازحين السوريين، وضمان حمايتهم وتوفير حياة آمنة وكريمة لهم حال عودتهم إلى سوريا، مع الاشتراط على الدول المستضيفة لهم أن تكون عودة اللاجئين طوعية وليست رغمًا عنهم.
  • إعادة بناء سبل العيش وتشجيع التماسك الاجتماعي والقدرة على الصمود لمساعدة الناس على التعامل مع أزمة طويلة الأمد، بتطوير برامج تساهم في تعزيز قدرة السوريين على الصمود.
  • فتح طرق آمنة إلى ملاذات لللاجئين، والسماح بلم شمل العائلات وجمع الأشخاص بأهاليهم، ومنحهم تأشيرات دخول حتى لا ينفقوا كل ما لديهم ويتعرضوا لخطر الموت غرقًا وهم يحاولون الوصول إلى الأمان.
  • إعادة توطين جميع اللاجئين بما فيهم الناجون من التعذيب، وأصحاب الأمراض الخطيرة، والإعاقات.
  • على الحكومات الإسلامية والعربية: التوقف عن تحميل اللاجئين والمهاجرين مسؤولية المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، ومواجهة الحملات الشعبية التي تدعو إلى ذلك، ومكافحة جميع أنواع رهاب الأجانب والتمييز العنصري.

الخلاصة:

رغم كل ما مرَّ به السوريون -ولا يزالون- مِن: قتل واعتقال وتعذيب وإبادة، لا يزال بشار الأسد وأعوانه يقتلون الصغار في سوريا بأبشع الطرق ويخفونهم قسريًّا، وتواصل ميليشياته اعتقال آلاف الأطفال داخل السجون.

ووفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان وما استطاعت أن توثقه من انتهاكات بحق الأطفال؛ فقد قتل نظام بشار وميليشيات إيران أكثر من 23 ألف طفل، فيما قتلت روسيا وقوات التحالف الدولي -أوروبا وأمريكا- أكثر من 3 آلاف طفل!

بجانب جرائم القتل، تستمر ميليشيات بشار وإيران في إبادة أطفال سوريا واستغلالهم حتى الموت؛ سواء بالتجنيد أو التعذيب داخل السجون، أو إقحامهم عنوة في تجارة المخدرات عبر البيع أو التصنيع داخل المختبرات كحقول تجارب أو حتى التهريب. ومن نجا من جحيم بشار وميليشياته، إما يواجه هول الجوع والبرد والعدوان داخل المخيمات، أو يُستغل في سوق العمل داخل دول الجوار أو في خيام اللاجئين، بجانب آلاف المعاقين والمرضى جراء الصدمات المروعة والاضطرابات النفسية والكوابيس التي يعانونها حتى اليوم.

لعل المقترحات التي ذكرها التقرير لحل الأزمة كفيلة بتخفيف أزمة اللاجئين السوريين على أوضاعهم الحالية، ولكنها تحتاج إلى إرادة دولية وإقليمية.

 مصادر:

الجزيرة -النازحون السوريون 2021.. أرقام كارثية تكشف حجم المأساة- 5 يناير 2021.

الأمم المتحدة – 10 سنوات على الصراع السوري: باشيليت تؤكد ضرورة الكشف عن الحقيقة وتحقيق العدالة- 11 مارس 2021

BBC -الحرب في سوريا: معاناة جديدة للاجئين السوريين بعد العودة الطوعية إلى بلادهم-

14 مارس 2023.

يونسيف -بعد 10 سنوات من النزاع في سوريا: يحتاج 90٪ من الأطفال إلى الدعم إذ يدفع العنف والأزمة الاقتصادية وجائحة “كوفيد-19” العائلات إلى حافة الهاوية- 10 مارس 2021.

يونسيف -عدد الأطفال المحتاجين في سوريا أكبر من أي وقت مضى بعد 13 عاما من الصراع- 14 مارس 2024.

الأمم المتحدة – اليونيسف: 12 ألف طفل قتلوا أو أصيبوا في سوريا خلال 10 سنوات، أي طفل واحد كل 8 ساعات- 12 مارس 2021.

الأمم المتحدة -سوريا: تقرير يرصد انتهاكات جسيمة تعرض لها أطفال “لم يعرفوا سوى الحرب” ويدعو لإعطاء أولوية للسلام- 19 مايو 2021.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان -في اليوم العالمي للطفل: التقرير السنوي العاشر عن الانتهاكات بحق الأطفال في سوريا غالبيتها على يد النظام السوري- 20 نوفمبر 2021.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان -حصيلة الضحايا الأطفال- 6 يوليو 2024.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان -في اليوم الدولي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء: توثيق مقتل 30228 طفلاً في سوريا منذ آذار 2011 بينهم 199 بسبب التعذيب وما لا يقل عن 5263 طفلاً لا يزالون قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري- 4 يونيو 2024.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان – تقرير الأمين العام حول الأطفال والنزاع المسلح يظهر أن سوريا أسوأ ومن أسوأ بلدان العالم في عدة أنماط من الانتهاكات- 22 يوليو 2020.

النظام السوري يستهدف الأطفال في مدارسهم – النظام السوري يستهدف الأطفال في مدارسهم- 29 أكتوبر 2016.

BBC – بعد عشر سنوات على بدء الصراع: من يحمي أطفال سوريا؟- 11مارس 2021.

التعليقات مغلقة.