fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

كارثة إثيوبيا الإنسانية ما بين آبي أحمد والصمت الدولي!

98

كارثة إثيوبيا الإنسانية ما بين آبي أحمد والصمت الدولي!

 

فتظل الدولة الإثيوبية الأكثر جدلًا في القارة الإفريقية، فبعد أن نازعت مصر حقها في المياه، صعَّدت على الصعيد الدولي بقصةٍ جديدةٍ، ونزاعٍ جديدٍ؛ إلا أن هذه المرة جاء النزاع داخليًّا بين الأشقاء الإثيوبيين؛ خاصة وبعد حصول رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على جائزة السلام إلا أنه فشل في تحقيق السلام في جميع أنحاء بلاده!

وفي خطوة معتادة الظهور خرجت الولايات المتحدة الأمريكية بتصريحاتها المسجَّلة والمحفوظة لدى المجتمع الدولي، وهي: الشجب والاستنكار ما، لم تكن هناك مصالح لها في الدولة المتضررة.

هذه المرة دق ناقوس الخطر الأمريكي في إثيوبيا؛ لسوء الوضع وتدهور الأحوال في إقليم تيجراي؛ خصوصًا بعد أن احتدم الصراع والنزاع منذ نوفمبر2020، وعلى الرغم من الموقف الأمريكي الأخير والذي أقره الرئيس جو بايدن بفرض الخزانة الأمريكية عقوبات على أطراف الصراع من جميع الطوائف، والكيانات والأفراد المتنازعة في هذه المنطقة والمتمثلة في:

 الطرف الأول: الحكومة الإثيوبية.

 الطرف الثاني: الحكومة الإريترية.

الطرف الثالث: جبهة تحرير تيجراي.

الطرف الرابع: حكومة إقليم أمهرة.

وكل هذه الأطراف تتصارع في الشمال الإثيوبي؛ مما جعل المنطقة تعيش حالة من الدمار والخراب الإنساني والمجتمعي، حتى إن المساعدات والإغاثات لا تستطيع الوصول إلى المتضررين في هذه المنطقة، ومع ذلك تعلو أصوات الأمم المتحدة وتنادي بخطورة الوضع وتأزم الموقف في إقليم تيجراي، والذي تضرر جَرَّاء هذه الأحداث 90% من سكانه، أي: ما يعادل أكثر من 5 مليون نسمة من إجمالي 6 مليون سكان هذا الإقليم.

هذه الأحداث تطرح سؤال مهم على المتابعين: هل هناك إرادة حقيقية للعملاق الأمريكي على إنهاء الصراع أم أنها أبواق تستخدم لتمرير المصالح فقط؟ وهل هذه الأوضاع تؤثر على العلاقة الأمريكية الإثيوبية؟! ومِن المحرِّك الرئيسي لهذه الأحداث؟ ومَن يقف ويدعم الحكومة الإثيوبية وأخواتها الأعداء؟

حقيقة الصراع الإثيوبي:

لفهم الوضع في الدولة الإثيوبية لا بد وأن نفهم حقيقة الصراع الكائن هناك حيت “تعود جذور الصدام المثير للقلق في إثيوبيا بين الحكومة الفيدرالية والحزب الحاكم في منطقة تيجراي الشمالية، إلى احتجاجات أطاحت بالحكومة السابقة التي كانت تهيمن عليها “جبهة تحرير شعب تيجراي” في 2018.

ورغم أنّ التيجراي يشكِّلون 6 في المائة فقط من سكان إثيوبيا، فقد هيمنوا على مقاليد السياسة الوطنية بالبلاد لما يقرب من ثلاثة عقود وحتى اندلاع الاحتجاجات.

كل ذلك تغير عندما أصبح آبي أحمد رئيسًا للوزراء في إبريل – نيسان 2018، وهو أول رئيس حكومة من عرقية أورومو، الأكبر في البلاد، وفقد التيجراي مناصب وزارية وبعض المناصب العسكرية العليا.

شكا الأورومو والأمهرة، ثاني أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا؛ بالإضافة إلى مجموعات أخرى من التهميش في ظلِّ حكم التحالف الاستبدادي القديم، وخلال الأشهر الأخيرة اندلعت أعمال عنف عرقية، وأطلقت دعوات لمزيدٍ من الحكم الذاتي في عدة أجزاء من البلاد”(1).

حقيقة الوضع الحالي الناتج عن الاقتتال:

ولعل نتيجة هذا الصراع ذاعها الكثير من المنصات الإعلامية العالمية رغم التعتيم الحكومي الرسمي للأحداث، وكذلك نادى به الكثير من المنظمات العالمية لتوضح حجم المسرحية الهزلية الأمريكية والعالمية للتغاضي عن الكارثة الحقيقية.

وتقول الشبكة الإعلامية الأمريكية:

“وقد فرضت الحكومة المركزية تعتيمًا إعلاميًّا تامًّا على تيجراي، لكن يُقدَّر أن القتال خلَّف آلاف القتلى ونزوح أكثر من مليوني شخص. وتقول الأمم المتحدة: إن أكثر من خمسة ملايين شخص في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدات في المنطقة، بينما هناك نحو 350 ألف شخص على الأقل على حافة المجاعة وهو ما تنفيه الحكومة الإثيوبية، وتتهم جميع الأطراف بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وتنفيذ عمليات قتل جماعي”(2).

أقاليم جديدة تدخل الصراع:

بينما يشتد الصراع في تيجراي وتبرز شواهد تنذر بتحوّله إلى صراع عرقي على نطاق واسع قد يبتلع أجزاءً أخرى من إثيوبيا؛ أعلنت أورميا نشر قواتها الخاصة/ ودعم الجيش الفيدرالي بالعتاد، مهددة بنشرة قوات أكبر إذا لزم الأمر.

فيما أعلنت منطقة شعوب وقوميات الأمم الجنوبية أنها أرسلت ما يقرب من 300 إلى 400 من القوات الخاصة هذا الأسبوع على الجبهة الغربية لتيجراي، كما أكَّدت سيداما إرسال قوات إلى أمهرة لدعمها وتعزيز قوات الجيش الفيدرالي في الجبهة الغربية للمعارك في تيجراي.

وأكدت رويترز: أن صورًا نشرت لجنود سيداما، وهم يقفون مع سكان بلدة ديبري ماركوس في أمهرة قرب الحدود مع تيجراي(7).

الموقف الرسمي للحكومة الإثيوبية يجعل من التجراي الشيطان الأكبر:

ولعل من أكثر الأمور تعقيدًا للوضع على أرض الواقع هو شيطنة التيجراي، وهذه الشيطنة تمتد إلى شعب التيجراي نفسه، وسط حديث عن جرائم إبادة جماعية تعرضوا لها، وقد “أظهرت بعض وسائل الإعلام الإثيوبية العداء العرقي تجاه التيجراي مع استخدام لغة مهينة بشكل عشوائي؛ لتشويه سمعة جميع أبناء التيجراي بالأفعال السيئة المزعومة لجبهة تحرير شعب تيجراي.

وتُستخدم الكلمات اللا إنسانية، مثل: “ضباع النهار” و”الآخرين غير المألوفين”؛ لإثارة الكراهية!

وهناك تقارير عن عمليات تطهير انتقائية ضد أبناء التيجراي في المؤسسات الحكومية، وفرض قيود على سفرهم وأعمالهم وإقامتهم بعد اندلاع الصراع في إقليم تيجراي.

وأثار بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية الجدل مؤخرًا، عندما قال: إن عملية إبادة جماعية تُرتكب في إقليم تيجراي الواقع بشمالي إثيوبيا.

وقد اتحد التيجراي في الشتات للقيام بحملة ضد ما يصرون على أنها إبادة جماعية، من خلال الاحتجاجات في العواصم بجميع أنحاء العالم وعبر وسائل التواصل الاجتماعي من أجل لفت الانتباه إلى الصراع في إقليم تيجراي.

حامل جائزة نوبل للسلام يرفض السلام … “موقف آبي أحمد”:

رغم هزائم القوات الإثيوبية الكبيرة والسريعة، يرفض آبي أحمد دعوات السلام التي صدرت من الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، ودول الجوار.

وقد ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية: إن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، تحدث مع رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك، عن الصراع في إقليم تيجراي الإثيوبي، واتفقا على دفع الأطراف صوب مفاوضات تقود إلى وقف إطلاق النار هناك.

واللافت: أن آبي أحمد قابل دعوات السودان إلى السلام بهجوم عنيف على الخرطوم، ورفض هذه الدعوات.

وبررت أديس أبابا رفضها للوساطة السودانية في إقليم تيجراي بحجة عدم الحياد واحتلال أراضٍ إثيوبية؛ مما أثار أزمة دبلوماسية جديدة بين البلدين.

وردَّت الخرطوم باستدعاء سفيرها في أديس أبابا للتشاور، نافيةً أي دور لها لصالح الجبهة الشعبية لتحرير إقليم تيجراي.

ويثير هذا التصعيد مع السودان ورفض التسوية مع التيجراي، تساؤلات حول المنطق الذي يقف وراء تصرفات الحكومة الإثيوبية، فالطرف الذي يهاجم الجميع يجب أن يكون مستندًا إلى قوة على الأرض، ولكن هذا لا يبدو متوافرًا حاليًا لآبي أحمد”(3).

الموقف الدولي:

قامت كلٌّ من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وإيرلندا بالدعوة إلى عقد اجتماع علني طارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وقال روبرت جوديك المسؤول البارز بوزارة الخارجية الأمريكية: إن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة “الفظائع المروعة” التي ترتكب في تيجراي.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش: إنه تحدث مع رئيس الوزراء أحمد وأعرب له عن أمله في التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

وقالت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد في تغريدة على تويتر: إن “القتال المستمر لن يؤدي إلا إلى معاناة وموت بلا داع”، وطالبت جميع أطراف النزاع بالموافقة على الفور على وقف إطلاق النار عن طريق التفاوض والحوار السياسي.

وقاومت الحكومة الإثيوبية حتى الآن الدعوات للتدخل الدبلوماسي وبدلًا من ذلك، شنت حملة دبلوماسية بهدف إقناع العالم بأن هذه مسألة داخلية.

ووصفت الحكومة الصراع بأنه “عملية تطبيق للقانون” ضد “زمرة” تهدف إلى تدمير النظام الدستوري الإثيوبي(4).

ويأتي الموقف الصيني متبنيًا للرواية الرسمية الإثيوبية إزاء الصراع في إقليم تيجراي، وهو ما يرغبه آبي أحمد، في توسيع دائرة تحالفاته الدولية كبديل للعلاقات المتوترة مع إدارتي: ترامب وبايدن حتى الآن؛ مما يعني أن التوتر الأمريكي – الإثيوبي ربما يستمر خلال الفترة المقبلة حتى حسم هذا الملف(5).

حقيقة القرارات الأمريكية:

وللوقوف على حقيقة الموقف الأمريكي فهو: “يأتي ليعكس تطورًا ملحوظًا في الموقف الأمريكي إزاء الصراع في تيجراي، الذي لم يتجاوز إصدار البيانات الرسمية منذ اندلاعه، والتي تحث الأطراف على إيقاف الحرب الإثيوبية.

 وإن كان قرار بايدن الأخير لم يقترن بمدى زمني محدد لتنفيذه ضد الكيانات المتورطة؛ خاصة أن الإدارة الأمريكية تأمل في إنهاء الاقتتال في البلاد قبل تفعيل فرض العقوبات التي ربما لا تتجاوز تجميد الأصول وحظر السفر، وهو ما قد يدفع أمراء الحرب الإثيوبية إلى التقليل من أهمية القرار، وعدم الاعتداد به في ضوء تعقد الحسابات الدولية والإقليمية بشأن احتمالات تمدد الصراع في مناطق أخرى في الدولة الإثيوبية وانعكاساته على السلام الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي.

 بالإضافة إلى فشل المحاولات الأمريكية خلال الشهور السابقة في الضغط على الأطراف المتصارعة لإنهاء الصراع، بما في ذلك قرار فرض قيود على التأشيرات على المسئولين الإثيوبيين والإريتريين الصادر في 22 مايو الماضي، وفرض عقوبات أمريكية في 23 أغسطس الماضي على الجنرال فيليبوس فولديهانيس، رئيس أركان الجيش الإريتري، عقب تورط قواته في بعض الانتهاكات لحقوق الإنسان في إقليم تيجراي”(6).

ملخص “شواهد وحقائق”:

1_ استبعاد الحل العسكري الدولي للصراع.

2_ تفاقم الصراع الداخلي في إقليم تيجراي.

3_ وجود تنافس أمريكي – صيني في إثيوبيا.

4_ الدور الأمريكي لن يتعدى التصريحات.

5_ هناك قوى عالمية أخرى تؤيد الوضع الحالي.

6_ تأزم الوضع الإنساني.

7_ هناك جانب عقدي في المعركة الإثيوبية.

8_ وجود دور شيطاني للإعلام الإثيوبي في إحماء المعركة.

 

 

1_يورو نيوز/ ما قصة الصراع في إقليم تيجراي الإثيوبي الذي سيطر على مقاليد السلطة في إثيوبيا لثلاثة عقود؟/ الفريق البحثي.

2_ بي بي سي/ الصراع في تيجراي: ماذا يجري هناك؟ وكيف يمكن أن تتأثر دول المنطقة بما يجري؟/ الفريق البحثي.

3_ عربي بوست/ بعد طردهم الجيش الإثيوبي وتوغُّلهم بأقاليم مجاورة … هل يطيح التيجراي بآبي أحمد أم يحاولون الانفصال؟/ فريق الإعداد.

4_ الجزيرة/ إقليم تيجراي … واشنطن قلقة من توسع دائرة القتال وأديس أبابا تؤكد قدرتها على صد هجوم المتمردين/ الفريق البحثي.

5_6_ مركز الأهرام للدراسات والسياسات/ كيف تتعامل واشنطن مع أزمة إقليم تيجراى الإثيوبي؟/ أحمد عسكر.

7_ مصراوي/ أزمة تيجراي … 3 أقاليم جديدة تدخل الصراع والإفراج عن ألف أسير إثيوبي/ محمد صفوت.

التعليقات مغلقة.