fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

مشكلة المياه بين “الأردن وإسرائيل” … حيثيات وأبعاد

109

مشكلة المياه بين “الأردن وإسرائيل” … حيثيات وأبعاد

يحصل الأردنيون على مياههم من نهر الأردن وحوض اليرموك، اللذين يتعرضان للتبخر بنسبة كبيرة، ويتقاسم هذا النهر مع الأردن: إسرائيل وسوريا، ويغذي حوض الديسي العاصمة عمان بالمياه؛ إضافة إلى السدود والآبار الجوفية، بينما يحلم الأردن بمشروع “ناقل البحرين” الذي تقوم فكرته على الربط بين البحر الأحمر والبحر الميت كخيار إستراتيجي لمعالجة مشكلة النقص؛ إلا أن ذلك المشروع تعثَّر بعد انسحاب الجانب الإسرائيلي منه، وتعاظم الاحتجاجات الشعبية التي ترى فيه “تطبيعًا مجانيًّا وخدمة لتل أبيب عبر السماح لها بالسيطرة على مصادر المياه، ووَفْق وزارة المياه الأردنية، فإن المشروع يهدف إلى تحلية مياه البحر الأحمر وضخ 300 مليون متر مكعب في مرحلته الأولى.

الأردن من أفقر 10 دول بالعالم مائيًّا:

تعد الأردن من أفقر 10 دول عالمية في المياه؛ مما يسبب أزمات يومية لدى المواطنين في الحصول على حصصهم اليومية، فعلى الرغم من كلِّ المحاولات الحكومية في الأردن لترشيد المياه؛ إلا أنها باءت بالفشل، فضلًا أن جميع السبل والموارد الأخرى من المياه في تراجع مثل مياه الأمطار، حتى إن بعض المراكز الدراسية أوضحت أن الأزمة الأردنية بعد 10 سنوات ستتفاقم ويعيش المواطن الأردني حالة من العطش، خاصة وبعد أن خفضت الحكومة حصة الفرد من المياه إلى 100 متر مكعب في السنة، وهذه النسبة تعتبر أقل نسب العالم في حق الفرد في المياه.

بداية المشكلة:

يتشارك الأردن مع إسرائيل في مياه بحيرة طبريا، ونهري: اليرموك والأردن؛ إضافة إلى آبار جوفية، ويتشارك كلٌّ من: الأردن وفلسطين وإسرائيل وسوريا ولبنان في مياه نهر الأردن، الواقع حاليًا تحت السيطرة الإسرائيلية.

ابتدأ وضوح النزاع على الموارد المائية عندما ادَّعت إسرائيل في خمسينيات القرن الماضي أن مصدر حصتها المائية هي منطقة “مثلث نهر اليرموك” (المنطقة الواقعة بين جنوب بحيرة طبريا وشرق نهر الأردن وشمال نهر اليرموك)، لكن قرر العرب مجتمعين، في العام 1953، أن حصة إسرائيل من نهر اليرموك لا تزيد على 17 مليون متر مكعب، وأن تأخذ باقي الحصة من بحيرة طبريا ونهر الأردن، وفي نفس العام بدأ تطوير “خطة جونستون”، وبلغت فيها حصة كل من سوريا ولبنان 9%، وإسرائيل 26%، وباقي النسبة 55% للأردن والضفة الغربية التي كانت تابعة لها آنذاك.

وعلى الرغم من قبول الخطة من قِبَل اللجان الفنية للدول الواقعة على ضفاف النهر؛ إلا أنه لم يتم التصديق عليها، ما أدَّى إلى استغلال مياه نهر الأردن بمشاريع أُحادية دون التقيّد بالتقسيم المُقترح، ومع ذلك، استمّر الأردن بالتمسُّك بحصته المنصوص عليها، متضمنة حصته من المياه المتدفقة من نهر اليرموك، لكنه لم يحصل حقوقه المائية وَفْقًا لخطة جونستون(1).

إسرائيل تسرق المياه:

ويتهم ناشطون إسرائيل بسرقة حصة الأردن من المياه بشكل ممنهج منذ توقيع اتفاقية وادي عربة للسلام عام 1994.

ويؤكِّد الخبير المائي سفيان التل أن: “تل أبيب حوَّلت مجرى نهري الأردن واليرموك لصالحها، وسيطرت على المياه الجوفية في فلسطين”، مشيرًا إلى أن “الأردن لم يعانِ من نقص مائي في تاريخه إلا بعد توقيع اتفاقية السلام”.

ورفض التل الحديث عن “فقر البلاد مائيًّا”، معتبرًا أنها “أُفقرت من خلال اتفاقية السلام الأردنية – الإسرائيلية التي كرَّست ضخ 25 مليون متر مكعب سنويًّا منها إلى إسرائيل”(2).

الاتفاقات الأردنية الإسرائيلية:

اتفقت المملكة الأردنية مع الجانب الإسرائيلي على شراء 50 مليون متر مكعب إضافية من المياه سنويًّا، وذلك خلال لقاء أيمن الصفدي، وزير الخارجية الأردني، مع يائير لبيد، وزير الخارجية الإسرائيلي، على الجانب الأردني من جسر الملك حسين، بتاريخ 8 تموز/ يوليو 2021.

ويعد هذا الاتفاق استكمالًا لبروتوكول تزويد المياه الملحق باتفاقية وادي عربة، الذي كان من المفترض تنفيذه منذ العام 2010، ويأتي في ظلِّ إشكالات متصاعدة حول ملف المياه واتفاقية الغاز بين البلدين، وفي المقابل: ينظر إلى هذا الاتفاق على أنه استمرار لما سبقه من اتفاقات تزيد من هيمنة إسرائيل، وقدرتها على التحكم في موارد الأردن الإستراتيجية واقتصاده(3).

وادي عربة:

بعد خروج بقية الأطراف من الخطة المذكورة، توجَّهت الأردن إلى الاتفاق الثنائي بينها وبين إسرائيل، الذي مهَّد بدوره لمعاهدة وادي عربة في العام 1994؛ إذ تم الاتفاق فيها على أن تزود إسرائيل الأردن بما يصل إلى 55 مليون متر مكعب سنويًّا من مياه بحيرة طبريا، عبر قناة الملك عبد الله إلى عمان، مقابل سنت أميركي واحد لكل متر مكعب؛ إلا أن إسرائيل تزوِّد الأردن فقط بـ 30 مليون متر مكعب، واتفق الطرفان أيضًا على الحصول على فيضان نهر اليرموك دون التطرق إلى حصة سوريا، وهي الأكبر والأكثر إشكالية.

 ووَفْقًا للملحق 2 من اتفاقية وادي عربة، الذي يفصل المادة 6 من نص المعاهدة، تحصل إسرائيل على 12 مليون متر مكعب من مياه نهر اليرموك في فترة الصيف، و13 مليون متر مكعب في فترة الشتاء، فيما يحصل الأردن على “باقي التدفق”؛ لكن هذا المصطلح الفضفاض أعطى المجال لإسرائيل بالاستيلاء على حصة الأردن بطرق غير مباشرة، كإنشاء ستة سدود على الأودية التي تصب في روافد نهر اليرموك وقبل نقطة المصب في نهر الأردن، مما أدَّى إلى فقر منسوب الأخير عبر الزمن.

ومن دلالات سياسة إسرائيل الممنهجة لفرض التبعية المائية على الأردن وتجفيف نهرها الرئيسي، عرقلة مشاريع عربية مشتركة عِدَّة، منها مشروع ماكدونالد في العام 1950، ومشروع بونجر في العام 1953، من خلال الضغوطات المستمرة على الإدارة الأميركية؛ إضافة إلى وضع شروط لإتمام مشروع سد الوحدة بين الأردن وسوريا والمطالبة بحصص منه، بينما أنشأت هي سدودًا على اليرموك من غير شروط، كما عملت أيضًا على مشروع تحويل نهر الأردن من الشمال إلى النقب، ومشروع تحويل مياه البحر المتوسط المالحة إلى وادي الأردن لتوليد الطاقة الكهربائية.

استغلت إسرائيل استئجارها لأراضي الغمر والباقورة من الأردن بعقد لمدة 25 سنة، إذ ركَّبت مضخات ضخمة في منطقة الباقورة لسحب المياه الفائضة بالكامل من نهر اليرموك بنحو 70 مليون متر مكعب، وصبها في طبريا، وهذه المياه من حق الأردن وَفْق اتفاقية وادي عربة.

ومن أهم البنود التي نصَّتْ عليها معاهدة وادي عربة: “أن يعمل الطرفان لإيجاد مصادر مائية توفر للأردن 50 مليون متر مكعب إضافية”، وتوّصل الأردن مع إسرائيل لاتفاق في العام 1998 لتزويد المملكة بـ 25 مليون متر مكعب سنويًّا في الصيف، و25 مليون متر مكعب مياه محلاة؛ إلا أن إسرائيل لا تزال تتنصل من هذا الاتفاق حتى الآن.

وانبثق أيضًا اتفاق فرعي بين البلدين بموجب وادي عربة، في العام 2010، لشراء 10 مليون متر مكعب، وعلى هذا الأساس وافقت حكومة تل أبيب على الطلب الأردني الأخير بالحصول على الإمدادات الإضافية اللازمة، وبسعر مرتفع (65 سنتًا للمتر المكعب)، وسيستمر بالارتفاع مع استمرار الطلب(4).

الكهرباء مقابل الماء:

أوضح مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى أن الاتفاق استند إلى رؤية قدمتها منظمة «إيكوبيس» الشرق الأوسط، قبل عامين، وهي منظمة لها مكاتب في عمان وتل أبيب وبيت لحم، وتضم نشطاء البيئة إسرائيليين والأردنيين والفلسطينيين، الذين يحاولون تعزيز التعاون من أجل الحفاظ على البيئة ومكافحة أزمة المناخ مع تعزيز العلاقات والسلام.

واستندت الفكرة التي نتجت عن اقتراح المنظمة إلى أن إسرائيل بحاجة إلى الكهرباء من الطاقة المتجددة، لكن ليس لديها مساحة كافية لبناء محطة شمسية كبيرة، بينما تكثر هذه المناطق في الأردن.

من جهة أخرى: الأردن يحتاج بشدة إلى المياه المحلاة، لكن منفذها الوحيد هو البحر، ويقع جنوب البلاد أي بعيدًا عن المراكز السكانية، بينما تمتلك إسرائيل خطًا ساحليًا طويلًا توجد عليه مرافق لتحلية المياه، ويمكن بناء مرافق تحلية إضافية غير بعيدة عن المراكز السكانية في الأردن.

من جانبهم: أشار مسؤولون إسرائيليون كبار إلى أنه بعد توقيع اتفاقات إبراهيم، ظهرت القضية في محادثات مع الإمارات في إطار التعاون الإقليمي في مجالات الطاقة والمياه، والذي يمكن أن تشارك فيه دول مثل الأردن.

وأضافوا: أنه خلال حكومة بنيامين نتنياهو، كانت العلاقات بين إسرائيل والأردن باهتة ومتوترة للغاية، ولم يبدِ الأردنيون استعدادًا للتعاون مع مثل هذه الاتفاقات، ولكن بعد تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل ازداد دفء العلاقات بين الجانبين(5).

رفض شعبي أردني للاتفاق:

تظاهر نحو ألفي شخص الجمعة في عمان للتنديد بإعلان النوايا الذي وقَّعته المملكة وإسرائيل للتعاون بين البلدين في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتحلية المياه.

وهتف المتظاهرون الذي تجمعوا أمام المسجد الحسيني وسط عمان بعد صلاة الجمعة: “رهنونا للكيان وبكرا بيحتلوا عمان”، و”ماء العدو مذلة”، و”يا للعار، يا للعار، حكومة كلها تجار”، كما نددوا بـ”التطبيع”، معتبرين أنه “خيانة”.

ورفع المتظاهرون أعلامًا أردنية ولافتات كتب عليها: “اتفاقيتكم لن تمر”، و”لا لاتفاقية العار: الماء مقابل الكهرباء”، كما رفع بعضهم لافتات تطالب بإسقاط “اتفاقية وادي عربة”، في إشارة إلى معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل التي تم توقيعها في وادي عربة على الحدود الفاصلة بين البلدين في 26 تشرين الأول / أكتوبر عام 1994(6).

يتضح ما سبق: مِن خلال توقيع الأردن على اتفاقية استيراد الغاز الإسرائيلي رغم المعارضة الشعبية القوية، واضطراب العلاقات الثنائية بين الأردن وإسرائيل خلال فترة نتنياهو، الذي رفض باستمرار إمداد الأردن بالمياه، وعرقلة زيارة ولي العهد للأراضي المقدّسة.

يأتي كل ما سبق في سياق سياسي تتكرر فيه انتهاكات إسرائيلية لاتفاق وادي عربة والبروتوكولات التي تليه، من خلال سحبها فائض مياه اليرموك، وإقامة سدود لا شرعية، ومشاريع تحويل مائي تؤدي جميعها إلى تجفيف نهر الأردن.

يمكن الاستنتاج من خلال تتبّع النهج الإسرائيلي بمؤسساته السياسية عبر الزمن: أن هذه الخطوة تأتي ضمن إطار إعادة ضبط العلاقة على مستوى سياسي أكثر منها لتعزيز التعاون الاقتصادي الحقيقي؛ إذ لا يوجد أي حديث رسمي من الجانبين عن مراجعة أو استرداد الحقوق الأردنية المنصوص عليها في الاتفاق، أو التطرّق إلى المشاريع الإسرائيلية القائمة التي تؤثِّر على التوزيع البيئي الطبيعي للموارد.

وتظهر تصريحات رسمية من الجانبين تدعم هذه الخطوة، وتعتبرها بمنزلة تحريك للعلاقات الراكدة، لكن بغلاف تجاري، مثل: تصريح كارين الحرار، وزيرة الطاقة الإسرائيلية، “وقعنا بروتوكولًا لزيادة كمية المياه التي نزود بها الأردن، وهذا إعلان لا لبس فيه بأننا نريد علاقات حسن جوا، وكذلك تصريح لبيد حول أن الأردن جار وحليف مهم لإسرائيل، وأن “الحوار الدائم بين البلدين سيستمر لتعزيز الروابط الثنائية.

ولعل أوضحهم إثباتًا للفرضية ما صرحت به صحيفة “جيروزاليم بوست” حول لقاء الملك وبينيت بالقول “يجب على البلدين رأب الصدع، واتخاذ خطوة في هذا الاتجاه، وأن تطرق إلى صفقة مياه”(7).

الملخص:

أن إسرائيل تحاول خنق الأردن عن طريق المياه وتمارس بلطجتها على حصة الأردن المشروعة دوليًّا في المياه، وهذا يدل على أن إسرائيل يحكمها قانون الغابة، وأن القوي هو الذي يفرض سيطرته.

1_ مسارات

2_ الإندبندت

3_ الشرق الأوسط

4_ مسارات

5_ الدستور

6_ أورو نيوز

التعليقات مغلقة.