fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

المنح الأمريكية للدول النامية… وسياسة العصا والجزرة

444

المنح الأمريكية للدول النامية… وسياسة العصا والجزرة

مدخل:

صدّق مجلس النواب المصري على التعديل الرابع لاتفاقية منحة المساعدة بين جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية بشأن التعاون المصري الأمريكي للعلوم والتكنولوجيا.

وفي هذه الورقة نتعرف على تفاصيل هذه المنحة وأهدافها الظاهرة والمعلنة، ومدى استفادة الجانب المصري منها، ونعرِّج قليلًا على بداية هذه المساعدات، وماذا وراء هذه المساعدات؟ وأخيرًا: هل هناك ما يسوغ قول صعوبة قطع هذه المساعدات بصفة مستمرة؟

تاريخ المنحة وأهدافها المعلنة:

أقر مجلس النواب المصري على قرار رئيس الجمهورية رقم 512 لسنة 2019 بشأن الموافقة على التعديل الرابع لاتفاقية منحة المساعدة بين مصر والولايات المتحدة للتعاون بمجال العلوم والتكنولوجيا.

وجدير بالذكر: أن بداية الاتفاقية كانت في القاهرة بتاريخ: 31 مارس 1995، وتم تجديد العمل بتاريخ 29 يناير 2001، تم تجديده مرة أخرى خلال الفترة من 11 مايو 2006 حتى 27 أغسطس 2006م.

وجاء التعديل الرابع للاتفاقية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، بشأن التعاون المصري الأمريكي للعلوم والتكنولوجيا بتوفير مبلغ جديد يبلغ قيمته 4 ملايين دولار؛ كمساهمة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في تقوية القدرات العلمية والتكنولوجية لدى الجانبين: المصري والأمريكي، وتوسيع نطاق العلاقات بين المجتمعات العلمية والتكنولوجية في البلدين.

وتهدف أيضًا إلى:

1- تقوية القدرات العلمية والتكنولوجية لدى الجانبين: المصري والأمريكي، وتوسيع نطاق العلاقات بين المجتمعات العلمية والتكنولوجية في البلدين، وتعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي للأغراض السلمية.

2- توفير الفرص لتبادل الأفكار والمعلومات والمهارات والتقنيات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين.

3- دعم مشروعات البحوث والدراسات والاستقصاءات المشتركة، وورش العمل، والمؤتمرات، والندوات المشتركة بين الجانبين المصري والأمريكي.

4- إعادة هيكلة وتنفيذ وإدارة سياسات العلوم والتكنولوجيا، واستحداث أنظمة لنشر التكنولوجيا وتوسيع نطاقها، مع توفير دور مناسب للقطاع الخاص.

وكذلك هناك العديد من برامج التبادل الأكاديمي والمهني والبرامج التي تمولها الحكومة الأمريكية للتبادلات الأكاديمية بين مصر والولايات المتحدة كل عام، ومنها برنامج فولبرايت للعلماء، ومبادرة الشراكة الشرق أوسطية (MEPI)، وبرنامج قادة الغد، ومبادرة كلية المجتمع، وبرنامج المنح الدراسية، وبرنامج القيادة في التربية والتعليم، وبرنامج التنمية (LEAD)، ونموذج الكونجرس الأمريكي، ومركز البحوث الأمريكي في مصر، وبرنامج الباحث العلمي والإقامة، وبرنامج التربية المدنية، وزمالة القيادة، وبرنامج باحث المعاهد (سوسي)، وبرنامج التربية المدنية، وزمالة القيادة، وبرنامج الكاتب الدولية (آيوا).

ومن برامج التبادل الأكاديمي والمهني أيضًا بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية: برنامج التميز والإنجاز في التدريس (TEA)، وزمالة الديمقراطية، وغيرها.

البداية:

ترجع بداية المساعدات الأمريكية لمصر إلى أوائل سنوات ثورة يوليو عام 1952م، وبالتحديد عقب صدور القانون الأمريكي العام للمعونة رقم 480 لسنة 1953، والذي تم إقراره بدافع المحافظة على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط.

ومرت هذه المساعدات بفترات صعود وهبوط تبعًا للظروف السياسية:

  • قامت الولايات المتحدة في أواخر عام 1956م بتجميد المعونة وسحب عرضها لتمويل مشروع السد العالي لعقد مصر صفقة أسلحة مع تشيكوسلوفاكيا.
  • وفي عام 1962 وافق الرئيس الأمريكي كيندي على طلب الرئيس عبد الناصر بتقديم مساعدات اقتصادية أمريكية لمصر من أجل تنفيذ خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
  • وفي عام 1974 ومع عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والولايات المتحدة طلب الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون من الكونجرس اعتماد مبلغ 250 مليون دولار كمعونة اقتصادية لمصر توزع بين تطهير قناة السويس وتعمير مدن القناة وأيضاً لشراء المنتجات الغذائية والصناعية.
  • وفي عام 1975 وبعد فض الاشتباك الثاني بين القوات المصرية والإسرائيلية، تم إدراج مصر في برنامج المساعدات الأمريكية الخارجية.
  • عقب اتفاقية السلام المُوقعة بين مصر وإسرائيل عام 1978 أعلن جيمي كارتر الرئيس الأمريكي عن المعونة وتعهد كارتر بتقديم ما قيمته مليار دولار سنويًّا كمساعدة اقتصادية لمصر.
  • عام 1982 تحولت تلك المعونات إلى منح لا ترد.

وإذ تبلغ المنحة لإسرائيل 3 مليارات دولار، أما مصر: فـ 2. 1 مليار دولار، وتنقسم المعونة المصرية إلى 815 مليون دولار كمعونة اقتصادية، و1. 3 مليار دولار كمعونة عسكرية.

والمعونة الأمريكية تمثل 57% من إجمالي المنح التي تحصل عليها مصر، لكن إجمالًا فإن مبلغ المعونة لا يتجاوز 2% من إجمالي الدخل القومي المصري.

ومصر ليست وحدها التي تتلقى تلك المعونات، كما أنها ليست الدولة صاحبة المعونة الأكبر، إذا رتبنا الدولة من الأكبر حصولًا للمعونات إلى الأقل، فسنجد أن أكبر الدول المُتلقية للمعونة هو العراق.

حصل العراق وحده على ما يُقارب 6 مليارات دولار. لكن عام 2001 في فترة حكم صدّام حسين كانت المعونات الأمريكية لا تتجاوز 180 ألف دولار سنويًّا، لكنّها قفزت عام 2006 إلى 9. 7 مليار دولار، لتكون الأكبر في تاريخ العراق والدول العربية.

بعد العراق تأتي مصر ثم الأردن؛ إذ يحصل على 1. 3 مليار دولار، أما سوريا: فكانت تحصل قبل ثورتها على 900 مليون دولار، لكن بعد بدء الحرب والتدخل الأمريكي صارت المعونة في اضطراد مستمر.

أما السلطة الفلسطينية، فمنحنى حصولها على المعونات شديد الاضطراب، في عام 2006 حصلت على 85 مليون دولار، لكن عام 2013 حصلت على مليار دولار.

ولبنان هو الآخر يتلقى ما يُقارب 500 مليون دولار.

أما اليمن: فيحصل على قرابة 300 مليون دولار معظمها في صورة مساعدات إنسانية.

ثم الصومال والسودان وتونس والمغرب وليبيا، والجزائر وموريتانيا والبحرين أيضًا يتلقون مساعدات أمريكية.

والخليج ليس بعيدًا عن المعونة، لكن أرقامها تقل تدريجيًّا، في عام 2007 حصلت الإمارات على مبلغ 11 مليونًا.

أما السعودية: فحصلت على ما يُقارب 700 ألف دولار فحسب.

والسعودية والإمارات لم يحصلا في السنوات الأخيرة على معوناتٍ أمريكيةٍ، بل شاهدنا أنهما مَن تدفعان للإدارة الأمريكية ملايين الدولارات مؤخرًا تحت العديد من المُسميّات.

الكويت هي الدولة قبل الأخيرة في القائمة؛ إذ لم تحصل لمدة 3 سنوات على أي معونة من عام 2001 إلى 2004، ثم من عام 2011 إلى 2014 لم تحصل على أي معونة، وفي السنوات الأخرى تحصل على ما يتجاوز المليون دولار برقم يسير.

الدولة الأخيرة هي قطر، فلم تحصل في عام 2016 إلا على 95 ألف دولار، وأكثر أعوامها كان في 2004 بـ 4 ملايين دولار، لكن منذ 2013 والمعونة الأمريكية في تناقص مستمر حتى توقفت تمامًا عامي: 2013 و2014، ثم عادت في 2016 برقمٍ زهيدٍ، ثم توقفت مرة أخرى خاصةً بعد القطيعة الخليجية.

ماذا وراء هذه المساعدات؟

قد تبدو الأرقام السابقة مهولة، خاصةً وقد ذكرنا 20 دولة عربية، لكن قد تظنها أضخم إذا كانت الولايات المتحدة تمنح أموالها لما يزيد على 100 دولة حول العالم.

والحقيقة أن تلك المبالغ المتناثرة لا تتجاوز 1% فقط من الموازنة الأمريكية.

بهذا الرقم الصغير تستطيع الولايات المتحدة أن تأسر دولًا بأكملها، كما تستطيع عبر المعونة أن تفتح أسواق الدولة النامية لمنتجاتها، وأيضًا تُكرّس تبعية الدولة لها بصورة أشد إهانةً من مجرد وجود قاعدة عسكرية في البلد المستهدف؛ إذ يمكنها عبر المعونات أن تتدخل في شئون الدول وتُغيّر بناء المجتمع بالكامل.

فمنذ ظهرت الولايات المتحدة كقوة عظمى بعد الحرب العالمية الثانية، والمعونات الخارجية على رأس أولوياتها، والمعونات مُدرجة في الميزانية الأمريكية تحت بند حفظ الأمن القومي، وبما أن الولايات المتحدة هي أستاذ العالم الحديث، فإن حدود أمنها القومي تمتد لتشمل العالم أجمع.

تطورت تلك الوصاية الأمريكية مع تطور الظروف الدولية إبان الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفيتي، وكانت الولايات المتحدة تقدم معوناتها بشكل مباشر وعلى هيئة قروض منها لدولة أخرى، لكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وزوال تهديد العلم الأحمر، اتخذت الولايات المتحدة شكلًا آخر في تقديم المعونات.

وهي:

أن تكون المعونة عبر الأطراف المتعددة دون أن تظهر الولايات المتحدة بوضوح حتى لا يبدو الأمر تدخلًا سافرًا منها في شئون الدول المُتلقية للمعونات.

(من تلك الأشكال الجديدة كان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي).

فأصبحت الدول الراغبة في دعم الصندوق أو البنك مضطرةً لقبول سياسات صارمة ومُحددة في شأنها الداخلي والخارجي، وهذه الإملاءات يُمكن ردها في النهاية إلى الولايات المتحدة؛ إذ إنها المسيطرة على تلك الهيئات سواء كان سيطرتها بأنها المُمول الأساسي لها، أو بقوتها التصويتية فيها.

وهذه الطريقة دفعت الاقتصادي الأمريكي ستيوارت سميث لصياغة مصطلح الدولار السياسي، فقد وجه انتقاداتٍ قاسية للسياسة الأمريكية المتعلقة بالمعونات، قائلًا: إنها لون من ألوان السيطرة الحديثة على الدول من أجل تحقيق الأهداف الأمريكية، فالدولار لا يُغير جنسيته حين يدخل الدولة الجديدة، بل يُغيّر جنسية الدولة بالكامل، كما أن تتبع الدول التي تذهب إليها المعونات الأمريكية نجدها دولاً متعاونة إلى أقصى حد مع الولايات المتحدة سياسيًّا وعسكريًّا.

المُلفت أن المعونة الأمريكية تستمر في التدفق للدول المُتلقية حتى في أشد أوقات نقص الميزانية الفيدرالية، كما تسود حالة من السخط بين المواطنين الأمريكيين المطالبين بضرورة التوقف عن إهدار أموالهم على الآخرين، مواطن من بين كل خمسة تقريبًا لا يوافق على إرسال هذه المعونات، لكن رغم نقص الميزانية والرفض الشعبي تستمر الحكومة في إقرار المعونات وإرسالها؛ مما يؤكد أن الأموال الأمريكية المتدفقة لدول العالم ليس معونةً كما تسميها الولايات المتحدة، لكنّها ثمن بخس لمصلحة أعظم تراها الحكومة الفيدرالية ولا يدركها المواطن العادي.

المعونة ورقة ضغط:

في ديسمبر 2017 وجَّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحذيرًا شديد اللهجة للدول المُتلقية للمعونة.

التهديد جاء قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تم فيها التصويت على قراره بشأن نقل السفارة الأمريكية للقدس وكان اعترافًا بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وقالها الرئيس الأمريكي مباشرةً: “إن تلك الدول تتلقى ملايين ومليارات الدولارات ثم يصوتون ضد القرار الأمريكي!”.

وأردف: “إنه سيراقب هذا التصويت، وسيوفر كثيرًا من الأموال بقطع المعونة عمن يصوت ضده، ورضخت بعض الدول للتهديد ورفضت أخرى، فالعديد من الدول العربية أدانت مشروع القرار في الأمم المتحدة، وتصريحاتهم تمركزت أن المعونة أكبر من شخص الرئيس، وأنه لا يستطيع قطعها.

لكنّ دولًا أخرى خشيت قطع المعونة، على رأسها: أوكرانيا، فصوتت لصالح المشروع، رغم أنها لم تحضر الجلسة أصلًا.

إذًا التهديد بقطع المعونة ليس أمرًا طارئًا على السياسة الأمريكية، ويمكن استخدامه لفرض الوصاية على الدول ليس لتغيير سياساتها العامة فحسب، بل حتى لمجرد تحقيق مصلحة شخصية أو لتصفية حسابات، وهو ما أعلنه بعض الجنرالات الأمريكيين المتطرفين أثناء فترة حكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي، فقد دعوا لقطع المساعدات عن مصر ما دامت تحت قيادة حكومة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، ثم طالبوا بقطعها مرةً في الفترة التي تلت الإطاحة بمرسي حتى تتضح الأمور.

ثم أعادها اوباما مرةً أخرى حين اطمأن لتناغم المصالح بين الإدارة الأمريكية والرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي.

هل هناك صعوبة في قطع المعونات؟

صعوبة قطع المعونات قول له وجاهته، فالولايات المتحدة تعلم أنها إذا قطعت معونتها عن الدولة المُتلقية فسيضعف انتماؤها، كما أن الدول ستبحث عن مصدرٍ آخر للأموال، ومع صعود روسيا والصين ومنحهما القروض لمن يشاء، فلن تغامر الإدارة الأمريكية بفقدان حلفائها لصالح روسيا أو الصين، لكنها كذلك لا تتوقف عن التلويح بقطعها، ولا تتوقف دول العالم عن التراجع عن مواقفها أو اتخاذ مواقف رافضة علنًا وموالية سرًّا، لكن المؤكد أن تلقي المعونة الأمريكية تحت أي مُسمى لا يمنح الدول استقلالًا، ويجعل الولايات المتحدة هي سيدة القرار في أكثر من 100 دولة بشكلٍ مباشرٍ.

صحيح أنها تجتهد كي لا يبدو الأمر فجًّا، وتحاول الدول المُتلقية للمعونة ألا تظهر بمظهر المغلوب على أمره، لكن حين يضيق الخناق وينفد صبر الإدارة الأمريكية على الحياد، فإنها تتخلى عن الشياكة واللباقة الدبلوماسية، وتفرض وصايةً فجة، وتضع الدول في اختيارٍ واضحٍ لا يحتمل التأويل: إما الموافقة العمياء على ما نقول، أو قطع المعونة.

وختامًا:

يعلم القاصي والداني أن الولايات المتحدة تستخدم المعونات العسكرية والاقتصادية في سياستها الخارجية لتحقيق الأهداف العليا لأمنها القومي؛ ولذلك فهي بالقدر الذي يُتاح لها تستخدمها (إما كزواجر أو حوافز حسب الحالة).

المصادر والروابط:

النواب يوافق على 7 اتفاقيات دولية بشأن القروض والمنح ومذكرات التفاهم

البرلمان يُقر تعديلاً لاتفاقية منحة التعاون المصري الأمريكي للعلوم والتكنولوجيا

العلاقات المصرية الأمريكية – ويكيبيديا

العلاقات المصرية الأمريكية.. تاريخ ممتد وتعاون استراتيجي

المعونة الأمريكية: كيف تشتري العالم بـ 1% من ميزانيتك

تعليق 1
  1. محمود ثابت يقول

    للأسف تمويل البحث العلمي ازمة من ضمن اكبر ازمات الوطن المصري
    فالبحث العلمي يعاني ضعف الامكانيات من جهة
    والانفصال عن الواقع من جهة

    وهذه النفطة الاخيرة يمكن ان تحل النقطة الاولى لو وجدت الارادة مع الدعم

    اللهم يسر لنا امرنا

التعليقات مغلقة.