مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

العلاقات الإيرانية الروسية في ظل التوترات في الشرق الأوسط.. دراسة تحليلية للنقاط الخلافية والتوافقية في ظل انتقادات إعلامية إيرانية للمواقف الروسية في الشرق الأوسط

0 31

العلاقات الإيرانية الروسية في ظل التوترات في الشرق الأوسط.. دراسة تحليلية للنقاط الخلافية والتوافقية في ظل انتقادات إعلامية إيرانية للمواقف الروسية في الشرق الأوسط

في ظل التطورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال العام 2024م، والتصعيد الإعلامي الإيراني الإسرائيلي في المنطقة، والمناوشات الهزلية بين الطرفين، كشفت تلك التطورات عن خلافات روسية إيرانية عميقة ومتداخلة في سياسات وتحركات موسكو وطهران في الشرق الأوسط؛ فرغم ما يجمع البلدين من مصالح مشتركة آخذة في النمو؛ إلا أن الخلافات قد طغت إعلاميًّا على مشهد العلاقات الروسية الإيرانية في ظل الصراع الدائر في الشرق الأوسط.

فكيف يمكن قراءة طبيعة العلاقات الروسية الإيرانية؟ وما النِّقاط التوافقية بين السياسة الروسية والإيرانية في المنطقة؟ وكيف برز التعارض في السياستين الروسية والإيرانية خلال السنوات الأخيرة؟ ماذا عن مواقف القِوَى الإقليمية وكيف تسهم في تحقيق توازن على مستوى الإقليم؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على تطورات العلاقات الروسية الإيرانية خلال السنوات الأخيرة ودور القِوَى الإقليمية في فرض معادلات جديدة على الساحة الإقليمية. في هذه السطور الآتية.

تاريخ العلاقات الروسية الإيرانية وأبرز العوامل الحاكمة:

لطالمَا شهدت العلاقات الروسية الإيرانية شدًّا وجذبًا طيلة قرون عدة؛ إذ كانت علاقات تنافس وصراع جيوسياسي خلال القرون الحديثة في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، في ظل السياسات التوسعية لكلٍّ من الدولة الصفوية والإمبراطورية الروسية القيصرية، حيث كان مشهد العلاقات الروسية الإيرانية حينها يطغى عليه الصراع والحروب المتكررة، والسيطرة على الأراضي من قبل الجانبين.

ثم تحولت إلى صراع أيديولوجي خلال معظم القرن العشرين، في ظل مساعي الاتحاد السوفيتي السابق لتوظيف البُعد الأيديولوجي في العلاقات الدولية الخارجية، وتحديدًا في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ما زاد من تقارب إيران والقوى الغربية. حيث إن الاتحاد السوفيتي كان ينظر إلى منطقة جَنُوب آسيا والشرق الأوسط كإمداد جغرافي لجمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز السوفيتية، وبرز ذلك التوجه خلال ما عرف بالأزمة الإيرانية العام 1946م والتي عُدت أولى أزمات الحرب الباردة، حيث رفض الاتحاد السوفيتي الانسحاب من الأراضي الإيرانية التي سيطر عليها العام 1943م. (مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة).

إذ إن موسكو قد وجدت في الامتداد الجيوسياسي للاتحاد السوفيتي إلى الشرق الأوسط، عامل ضمان لأمن جمهوريات القوقاز وآسيا الوسطى، لتنتهي الأزمة بانسحاب الجيش الأحمر من شمال إيران وتعميق التعاون الإيراني الغربي، ما أوصل الصراع السوفيتي الغربي حينها من أوروبا إلى الشرق الأوسط خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

ومع ثورة الخميني والتحولات الداخلية والخارجية التي أنتجتها الثورة، خاصة في العلاقات الأمريكية الإيرانية، إذ شهدت العلاقات بين واشنطن وطهران تدهورًا سريعًا وعقوبات اقتصادية وتصعيدًا لافتًا بين الجانبين، رأى قادة الاتحاد السوفيتي حينها أن تلك التحولات تنسجم مع المصالح السوفيتية في الشرق الأوسط، ورغم الاختلاف الأيديولوجي بين موسكو وطهران، بين نظامٍ ديني شيعي طائفي متطرف، ونظامٍ ماركسي شيوعي، إلا أن التطورات التي أعقبت ثورة الخميني من تصعيد وعقوبات غربية إيرانية قد فتحت الطريق أمام تعاون إيراني سوفيتي ومن ثم روسي في الشرق الأوسط.

هذا التعاون كان دافعة براغماتية محضة بالنسبة لموسكو؛ حيث إن السياسة الروسية ما بعد الاتحاد السوفيتي، تهدف لإعادة الدور الروسي عالميًّا من جديد، ما يتطلب الحد من الدور الأمريكي في الشرق الأوسط وقطع الطريق أمام أي محاولة غربية للوصول لآسيا الوسطى والقوقاز. وبالتالي فقد حرص الكرملين على إحداث توازن إقليمي في العلاقات مع كلٍّ من الدول العربية، وإيران، وتركيا، وإسرائيل. كما أن النظام الإيراني، قد وجد في روسيا متنفسًا للعقوبات الاقتصادية الغربية، ما دفع الجانبين الروسي والإيراني لانتهاج سياسات أكثر براغماتية في علاقاتهما الثنائية.

ولعل من بين أبرز العوامل الحاكمة لطبيعة العلاقات الإيرانية الروسية المعاصرة، أن إيران تسعى لتعميم علاقاتها مع روسيا لتجنب العقوبات الدولية في مجلس الأمن، إذ سبق واستخدمت موسكو الفيتو ضد مشاريع قرارات أمريكية في مجلس الأمن لفرض عقوبات أممية على إيران، هذا فضلًا عن رغبة إيران في الاستفادة من التقنيات الصناعية والتكنولوجية الروسية المتقدمة، وعقد صفقات تسلح جديدة مثل أنظمة (أس 300 ومقاتلات سوخوي 35).

كما أن التبادل التجاري بين الجانبين، قد سجل 5 مليارات دولار خلال العام 2024م؛ هذا فضلًا عن أن طهران ترى أن تعميق التعاون مع موسكو يزيد من فعالية الحضور الإيراني على الساحة الدولية، إذ إن روسيا قد دعمت إيران للانضمام لتكتل البريكس الاقتصادي ومنظمة شنغهاي، رغم افتقارها للحد الأدنى من معايير البنية التحتية والمؤسسات الصناعية المطلوبة للانضمام لتلك التكتلات.

أما فيمَا يتعلق بدوافع الدعم الروسي لإيران، فبالنظر إلى طبيعة ذلك الدعم والذي يشمل السياسة والاقتصاد والتجارة، فإن موسكو ترى في علاقاتها بطهران أحد أدوات إستراتيجيتها لتحقيق توازن في الشرق الأوسط مع علاقاتها بتركيا وإسرائيل والدول العربية. كما أن موقع إيران الجغرافي وإطلالة البلدين على بحر قزوين، قد وجدت فيه موسكو مسارًا للوصول إلى سواحل المحيط الهندي، في ظل مشروع إيران وروسيا والهند العملاق “ممر الشمال الجَنُوب” للربط بين مدينة سانت بطرسبورغ الروسية وميناء مومباي الهندي، هذا فضلًا عن التسليح الإيراني لروسيا في ظل الصراع مع أوكرانيا. إذ مدت طهران موسكو بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة متنوعة.

وبالتالي يمكن القول إن العلاقات الروسية الإيرانية تحكمها المصالح المشتركة للطرفين، في ظل ما يتعرض له البلدان من عقوبات وضغوطات غربية متزايدة، فرغم الاختلاف الأيديولوجي بين موسكو وطهران إلا أن البلدين قد نجحَا في صياغة علاقاتهما الثنائية في إطار براغماتي محض يحقق مصالح مشتركة لكلٍّ من روسيا وإيران، مدفوعة تلك العلاقة بضغوطات واشنطن على الطرفين.

أبرز النِّقاط التوافقية بين السياستين الروسية والإيرانية:

مع عودة روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي على الساحة العالمية وفرض معادلات دولية جديدة، رأت إيران في السياسة الروسية الخارجية فرصة لتدعيم النظم الطائفية المسيطرة في دمشق وصنعاء، فمنذ العام 2000م أخذت العلاقات الروسية الإيرانية وإستراتيجية البلدين في الشرق الأوسط مسارًا تعاونيًّا نسبيًّا خاصة في العراق وسوريا.

وأتى ذلك التعاون نظرًا لاهتمام الكرملين بقضايا أمن روسيا داخليًّا وخارجيًّا والمحيط الجيوسياسي لروسيا المعاصرة، كما أن التنظيمات الإرهابية النشطة في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز مثل داعش والقاعدة، والتي سبق وأن نفذت عدة هجمات إرهابية داخل روسيا وإيران، قد أثارت مخاوف البلدين وفرضت تعاونًا إقليميًّا بينهما مع تنسيق جهود البلدين في مواجهة التهديدات الأمنية، والتوترات السياسية القادمة من الجمهوريات الناشئة عن تفكك الاتحاد السوفيتي.

وبالنظر إلى فقدان الكرملين للنظم العربية الحليفة، والتي كانت حاكمة لأكثر من 3 عقود في المنطقة، فإن ذلك التطور قد فرض على موسكو البحث عن حليف إستراتيجي جديد في الشرق الأوسط، حيث استغلت إيران غياب حليف إستراتيجي لروسيا في الشرق الأوسط، واستفادت من علاقاتها الجيوسياسية مع موسكو، لا سيما بعد أن أصبحت إيران قوة إقليمية مهمة في الشرق الأوسط ووسط آسيا.

إذ تلاقت مصالح الدولتين في دعمهما لنظام الأسد في سوريا، لا سيما بعد قناعة روسية بأن العلاقات الإيرانية الأمريكية آخذة بالتدهور. وبذلك ولد تحالف اضطراري غطى سنوات تأرجح العلاقات بين الدولتين، حيث قام التدخل الإيراني في سوريا على اعتبارات أيديولوجية وجيوسياسية، فسوريا حليف حاسم لإيران في العالم العربي وذات قيمة إستراتيجية كبيرة؛ لكونها جسرًا جيوسياسيًّا يسمح لإيران بالوصول إلى لبنان والبحر الأبيض المتوسط.

في المقابل: قامت السياسة الروسية على اعتبارات سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية؛ أهمها: الحفاظ على وجود عسكري روسي في البحر المتوسط، مع توسيعه، حيث أقدمت موسكو على الدخول عسكريًّا إلى سوريا، لا سيما مع تقدم قوات المعارضة السورية غرب سوريا منتصف عام 2015م. كذلك سعت روسيا سياسيًّا إلى استعادة مكانتها بوصفها قوة عالمية في المقام الأول، من خلال إبراز القوة والتأثير في مسار الأزمة السورية، ووضع العراقيل أمام الحلول الأمريكية لها.

هذا فضلًا عن أن موسكو قد سعت في المجال الاقتصادي، إلى الحفاظ على سوريا بوصفها عميلًا رئيسًا للمعدات العسكرية الروسية، مع أداء دور محوري في قطاع الطاقة السوري وتوسيعه، إضافة إلى عرقلة طرق مشروعات إمداد الطاقة إلى أوروبا عبر سوريا، والمتصادمة مع إستراتيجية روسيا بتوظيف الطاقة سلاحًا في مواجهة الغرب.

وتنظر كلٌّ من روسيا وإيران إلى الدور الأمريكي في الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى وشرق أوروبا، باعتباره تحديًّا لمشروع روسيا، الساعي لإقامة منطقة عازلة تُشكل من الدول المحايدة بين حلف شمال الأطلسي والأراضي الروسية، والمشروع الإيراني، الساعي للسيطرة على كامل منطقة الخليج والمشرق العربي. (فرنسا 24).

وبالرغم من حضور الدور الإيراني في المخططات الأمريكية والإسرائيلية لتدمير الدول العربية، ما يعكس تنسيقًا إيرانيًّا إسرائيليًّا أمريكيًّا في رسم صراعات المنطقة، إلا أن وجود صراع نفوذ ما بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى للاستئثار بالنفوذ في الشرق الأوسط، أمرٌ واضح.

وبالتالي: ولتحقيق الأهداف الجيوسياسية لروسيا وإيران، يتطلب الأمر إحداث تغيير في النظام العالمي القائم حاليًّا، لتغييره من نظام أحادي القطب تتركز فيه عناصر قوة الحضارة البشرية المعاصرة من (اقتصاد وصناعة وتكنولوجيا وقوة عسكرية) في أيدي الولايات المتحدة والغرب، إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب تتقاسم فيه عدة قِوَى التطور العالمي، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند، وهذا يتطلب بالضرورة تفكيك التحالف الغربي، أو ما يسمى في الإعلام الروسي “بالغرب الجماعي”.

ولذلك، يستخدم الكرملين إيران في الوقت الحالي ضمن براغماتيته المتغيرة، إذ تارةً تقدم روسيا الدعم المتنوع لإيران، مثل مقاتلات سوخوي 35 وأنظمة أس 300 المتطورة، إلى جانب الحماية من العقوبات في مجلس الأمن، ومشاريع وشراكات اقتصادية مثل ممر الشمال الجَنُوب. وتارة أخرى، يعمد الكرملين على ممارسة دور حيادي والوقوف بموقف المتفرج، كما حدث خلال المناوشات الإسرائيلية الإيرانية العام 2024م، ما أثار استياء النظام الإيراني الذي عكسته بشكل واضح وسائل الإعلام الإيراني.

ويدرك النظام الإيراني أن الاتحاد الروسي غير معني بالإستراتيجية والمصالح الإيرانية في الشرق الأوسط، وأن التعاون بين موسكو وطهران وإن بدا محوريًّا للطرفين في المنطقة، فمن الممكن أن يشهد أفولًا مع بروز قِوَى إقليمية جديدة وعلاقات بديلة.

تعارض السياستين الروسية والإيرانية:

هدف التدخل الروسي في الأزمة السورية لفرض معادلات جديدة والاحتفاظ بالوجود العسكري الروسي في الشرق الأوسط على سواحل البحر الأبيض المتوسط، وقريبًا من أوروبا جغرافيًّا، يُمكن الكرملين من التأثير في السياسات الشرق أوسطية، لكن الخطأ الذي وقع فيه الكرملين، كان عدم الأخذ بعين الاعتبار طائفية النظام الحاكم في دمشق وسياساته التي دفعت سوريا نحو الهاوية.

إذ إن روسيا قد اتبعت إيران والنظام السوري، “ولو جزئيًّا” في الحرب الدائرة في سوريا، انطلاقًا من رؤية موسكو لضرورة تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدولة السورية. استقرارًا أثبتت السنوات الأخيرة أنه كان مجرد شكلي وخارجي فقط، أدى في نهاية المطاف إلى تعقد المشهد السوري وانهيار مؤسسات الدولة، جراء انتشار تنظيمات مثل داعش والقاعدة وحزب الله، إلى جانب الضربات الإسرائيلية المتتالية على سوريا.

لتبرز أولى النِّقاط الخلافية ما بين موسكو وطهران على الساحة السورية. حيث إن اهتمام الدولتين بالملف السوري، ينبع من حساسيته بالنسبة لكلتيهما، فسوريا هي آخر حلقات النفوذ الروسي في المنطقة، بعد سقوط النظم السياسية الحاكمة في العراق 2003م واليمن 2011م وليبيا 2011م، وتقلص دائرة العلاقات الروسية مع دول الشرق الأوسط والعالم العربي. لذلك تحافظ روسيا على الإبقاء على النظام السوري كحليف مهم بالمنطقة.

وثمة هدفان إستراتيجيان للتدخل الروسي في الصراع السوري: الأول، تحدي الهيمنة الأمريكية في الشؤون العالمية، والثاني، مساعدة النظام السوري في الصراع الدائر في البلاد. فضلًا عن محاولة روسيا العودة إلى نفوذها السابق في المنطقة، فخلال سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على أجزاء من العراق، لجأت الحكومة العراقية إلى روسيا، التي زودت العراق بمختلف الأسلحة والطائرات المقاتلة، مما ساعد العراق على صد هجمات التنظيم.

وعلى الجانب الآخر: فإن الوجود الإيراني في سوريا يهدف إلى تحويل النظام السوري بالكامل إلى وكيل لإيران في المنطقة، عبر تأجيج الصراع الطائفي. فكان واضحًا منذ بداية الثورة السورية العام 2011م وتعقد المشهد السوري، الدور الإيراني في تحويل الثورة والأزمة في سوريا إلى حرب أهلية طائفية، ونقل الميليشيات والسلاح والمقاتلين من شتى بقاع الأرض إلى سوريا.

فضلًا عن أن السياسة الإيرانية خلال سنوات الحرب الأهلية في سوريا، اندرجت ضمن إستراتيجية طهران الساعية إلى توسيع نفوذها في المنطقة وإيصاله حتى سواحل المتوسط، وتحسين وضعها الاقتصادي عبر السيطرة على موارد ومقدرات سوريا والعراق ولبنان، وهو ما بدا واضحًا مع سيطرة الميليشيات الشيعية الموالية لإيران على المعابر الحدودية في تلك الدول.

وهناك هدف آخر بالنسبة لطهران يتعلق بطبيعة الدور الإيراني، وهو مهم بالنسبة للولايات المتحدة، والتي تدعو إلى ضرورة تقليص الدور الإيراني في المنطقة، رغم أن هذا الأمر تم في عام 2015م بالتوافق مع إيران، وهو الذي مهد للاتفاق النووي الإيراني. (بي بي سي عربي).

إذًا، فالإستراتيجية الإيرانية في سوريا قد زادت المشهد السوري تعقيدًا، وأججت الصراع الطائفي في البلاد، خاصة مع انتشار ميليشيات وجماعات طائفية مسلحة أخذت بارتكاب انتهاكات بحق السكان في عدة محافظات ومدن سورية، بل حاولت إيران عدة مرات التأثير على الإستراتيجية الروسية في سوريا، خاصة فيمَا يتعلق بالتنسيق الروسي الإسرائيلي في الأجواء السورية.

لتتخذ روسيا عدة إجراءات ضد الأذرع الإيرانية في سوريا. كان آخرها نصب القوات الروسية حاجزًا عسكريًّا على الجسر الحربي الرابط بين ما يعرف بالقرى السبع وغرب الفرات، ومنعت دخول أي عنصر من الميليشيات الإيرانية أو تشكيلات عسكرية أخرى إلى القرى، باستثناء القوات السورية والقوات الروسية فقط. فضلًا عن ممارسة الكرملين ضغوطات على نظام الأسد لكسر حالة القطيعة التي شهدتها العلاقات السورية العربية، نتيجة للتبعية الكاملة لنظام الأسد للنظام الإيراني. (تلفزيون سوريا).

وعلى صعيد الملفات والقضايا الأخرى، فإن نقاطًا تعارضية تبرز في مشهد العلاقات الروسية الإيرانية ولا سيما في مجال الاقتصاد والتجارة. فبالنظر إلى مشهد التنافس الاقتصادي بين البلدين، فإن نقاطًا عدة تعكس رغبة روسيا في حل مشكلات تطوير الغاز الإيراني واستثماره، ففي تقديري أن التوجه الروسي بالسعي إلى استحواذ أدوات تأثير في قطاع إنتاج وطرق إمداد الغاز الإيراني في القوقاز، تبرز رغبة موسكو في تراكم أوراق الضغط الطاقي، من خلال وضع احتياطيات الغاز الإيراني تحت وصاية الكرملين.

ويعكس ضخامة مبلغ الاستثمار الروسي في مشاريع الطاقة الإيرانية والذي يتجاوز الـ40 مليار دولار والمتعارض مع رداءة البنية التحتية الطاقية في إيران ذلك التوجه الروسي. بالإضافة إلى إشارة الرئيس الروسي ضمنًا إلى استخدام الطاقة سلاحًا بيد روسيا في صراعها مع الغرب، بقوله: “إن صادرات روسيا من الغاز إلى أوروبا قد تظل عند مستويات متدنية جدًّا”.

وهو ما نوه به منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” بقوله: “تعتزم روسيا استخدام اتفاقية إحياء خِطَّة العمل الشاملة المشتركة كوسيلة ضغط ضد الغرب في حربها مع أوكرانيا، ومنع رفع العقوبات عن صادرات النفط الإيرانية”.

امتعاض إيراني من موقف روسيا من الحرب في الشرق الأوسط:

ونتيجة لتعارض السياستين الروسية والإيرانية وعمق القضايا الخلافية بين موسكو وطهران، طفت الخلافات على السطح بشكل أوضح مع الحرب الإسرائيلية على الشرق الأوسط والموقف الروسي من المناوشات الإيرانية الإسرائيلية، والذي كان سلبيًّا بحسب مراقبين، وضغوطات موسكو على نظام الأسد قبل سقوطه لإعادة العلاقات السورية العربية والحد من دور الميليشيات الإيرانية في سوريا.

فإيران لم تخفِ قلقها منذ اللحظة الأولى لتدخل روسيا في الأزمة السورية من احتمالية التفاهم الروسي مع تركيا وإسرائيل في سوريا، التي باتت ساحة لأطراف عديدة، وبالإضافة إلى وجود خلافات أيضًا حول مستقبل سوريا، إذ تحبذ موسكو حل الأزمة عن طريق سياسي يضمن بقاء سوريا موحدة ودولة ذات سيادة. فحرصت موسكو على اتباع سياسة التوازن وذلك من خلال إدارة تحالفاتها بدقة مع بعض الأطراف الإقليمية في سوريا بمن فيهم إسرائيل.

بينما لدى طهران أولويات أخرى، على رأسها تعزيز النفوذ “العلوي” في سوريا بصرف النظر عن تداعيات ذلك على مستقبل الدولة السورية، لأن طهران تخشى من احتمال حصول مقايضات أمريكية روسية لإيجاد تسوية في سوريا، تكون على حساب نفوذها في سوريا والمنطقة، وهو ما حدث بالفعل خلال الأسابيع الأخيرة الماضية مع سقوط نظام الأسد.

وفي يوليو 2023م، خرج وزير الخارجية الإيراني الأسبق “محمد جواد ظريف” منتقدًا الروس بشأن تعاملهم مع المِلَفّ النووي الإيراني، وأمام الكاميرات وليس بغرف مغلقة، حيث قال: “إن الروس عارضوا منشآتنا للتخصيب في خِطَّة العمل المشتركة الشاملة، وإن الروس لن يسمحوا لإيران بإنتاج الوقود لبوشهر، وحتى اليوم الأخير، حاولوا منع حدوث ذلك”، مضيفًا: “نعتقد بأن روسيا صديقتنا الإستراتيجية، لكن هذه الإستراتيجية تختلف عن الإستراتيجية التي نعتقدها”. (الشرق الأوسط).

وخلال العام الجاري 2024م، جرت مناوشات شكلية بين إيران وإسرائيل كان الموقف الروسي خلالها محل تساؤل من قبل مراقبين، في ظل تصريحات سياسية روسية ساعية للتهدئة وتحركات لافتة. حيث زار سكرتير مجلس الأمن الروسي “سيرغي شويغو” إيران والتقى الرئيس “مسعود بزشكيان” وكبار المسؤولين الأمنيين، في ظل تقارير تحدثت عن تسليم روسيا الإيرانيين رادارات ومعدات دفاع جوي متقدمة، ما أثار تساؤلات حول موقف موسكو ومصلحتها من الصراع في الشرق الأوسط.

ويبدو أن الهدف من الزيارة، كان تخفيف التصعيد ومحاولة إقناع إيران بعدم اتخاذ أي إجراءات، من شأنها أن تزيد مشهد التصعيد في المنطقة، كما أن زيارة شويغو كانت مبرمجة سلفًا. في ظل بحث العديد من الملفات الحيوية في هذه الفترة ضمن مسار لوضع الخطوط الرئيسية لإبرام معاهدة إستراتيجية كبرى بين موسكو وطهران، بدأ التجهيز لها منذ فترة طويلة.

وفي ظل تعقد الحرب الروسية الأوكرانية، وسيطرة روسية في الجَنُوب والشرق الأوكراني، قابلها سيطرة أوكرانية في الأراضي الروسية في كورسك، واستمرار تقديم الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا الذي وصل حد موافقة الغرب لكييف بضرب العمق الروسي، فإن الكرملين يضع المِلَفّ الأوكراني في صُلب أولويات التحركات الروسية، لذلك تنتهج موسكو سياسات دبلوماسية ونفعية حصرًا، في الوقت الحالي في معظم الساحات الخارجية الأخرى، ومنها الشرق الأوسط.

مواقف القِوَى الإقليمية في ظل الخلافات الروسية الإيرانية:

بعد أكثر من عقدين من الصراعات والعنف المسلح في المنطقة العربية، تتحرك القِوَى العربية الكبرى انطلاقًا من سياسات تحقق لها استقرارًا سياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا، في ظل اختيار معظم دول الإقليم الحياد والنأي بنفسها عن الصراعات الإقليمية، مثل الكويت وسلطنة عمان وتونس والجزائر، أو اقتصار مواقفها إزاء تطورات مشهد الصراع والاستقطاب في المنطقة، على الأدوات الدبلوماسية فقط، مثل مصر والسعودية والأردن.

وبالرغم من ذلك، فإن الثوابت السياسية للدول العربية، والمتمثلة بعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، ورفض دعم الميليشيات والجماعات المسلحة لا تزال قائمة، كما أن القِوَى الخارجية تدرك تمامًا أهمية الدور العربي في حل مشكلات وأزمات المنطقة، في ظل تواصل روسي عربي مستمر لحل الأزمات السورية والليبية واليمنية وغيرها.

إلى جانب أن القِوَى الغربية والولايات المتحدة قد أدركت سريعًا أهمية دور مصر في التوصل لحل شامل لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وانطلاقًا مما سبق، يمكن القول إن أزمات ومشكلات المنطقة لا يمكن حلها بعيدًا عن السياسات العربية، إذ إن التدخل الإيراني في الأزمة السورية قد حول الثورة السورية في عام 2011م إلى حرب أهلية طائفية دامية استمرت حتى ديسمبر 2024م، طالت تداعياتها العراق مع نشاط الأذرع الإيرانية في الساحة العراقية.

فضلًا عن الدور التركي التوسعي في الشمال السوري والعراقي، وما تقوم به أنقرة من عمليات تطهير عرقي وتغيير ديموغرافي للسكان في شمال سوريا والعراق، وبالتالي، ومع سقوط نظام الأسد في سوريا وانتهاء حكم عائلة الأسد التي استمر لأكثر من 51 عامًا، يمكن القول إن المنطقة ستشهد تحولات تصعيدية خطيرة، في ظل الأطماع التوسعية الإسرائيلية والتركية في الأراضي السورية، وتجاهل المطالب الكردية في الشمال السوري بالتفاوض مع تركيا.

فضلًا عن الوجود الأمريكي والروسي على الأراضي السورية، وتراجع النفوذ الروسي في المنطقة، ما سيدفع تلك القوى لمحاولة استقطاب دعم عربي على الساحة السورية. وفي تقديري فإن السياسة العربية ستأخذ مسارًا أكثر انفتاحًا وتعاونًا مع الجميع لحل الأزمات المتشابكة في المنطقة، وهو ما يمكن ملاحظته في التحركات المصرية والعربية الثابتة طوال السنوات الماضية، الرافضة لسياسة دعم الميليشيات والتنظيمات المسلحة.

مستقبل العلاقات الروسية الإيرانية في ظل التطورات الحالية:

يلعب تاريخ العلاقات الإيرانية الروسية وما مرت به تلك العلاقة من تحسنٍ وتحالف تارةً، وتدهورٍ وتصعيد تارة أخرى، دورًا محوريًّا في استنتاج مستقبل العلاقات بين البلدين. إذ إن خلافات جوهرية، مثل غياب الإستراتيجية المشتركة والتعاون والتنسيق المشترك في سياستهما الخارجية المضطربة أو المتناقضة في ساحات عدة، رغم تقاربها في ساحات أخرى، مع غياب القيم المشتركة لنظاميهما السياسيين، والطبيعة التنافسية لاقتصاداتهما، مع عجز أي منهما عن تلبية متطلبات الأخرى من اللوازم العملياتية في الاقتصاد والتجارة والصناعة، قد زادت وضوحًا وطغت على مشهد العلاقات بين البلدين.

غير أن العقوبات الغربية، والتي أضرت بشكل كبير بالاقتصاد والبنية التحتية الإيرانية ودائرة العلاقات الخارجية لإيران تحديدًا، تجبر صانع القرار الإيراني على البحث عن صيغ مشتركة جديدة لإعادة بلورة العلاقات مع الاتحاد الروسي، وفي تقديري، فإن التطور الأخير في العلاقات الروسية الإيرانية، من توقيع صفقات تسلح إيرانية مع روسيا إلى جانب إمداد طهران لموسكو بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.

إنما يأتي في سياق ما تعرضت له العلاقات الروسية الغربية وبلوغها حدة المواجهة في أوكرانيا، فهذا “تطورٌ مؤقت” في العلاقات الروسية الإيرانية. فمع انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية وعودة العلاقات الروسية الغربية، فإن القِوَى الغربية ستعمل على إبعاد روسيا عن إيران والصين وكوريا الشِّمالية.

وما يؤشر على أن علاقات طهران وموسكو مؤقتة واضطرارية، أن تفاصيل الاستثمار والتجارة بين الدولتين لا توافق الرؤى المطلوبة، ولا تعبر أيضًا عن مستوى تبادل تجاري لدول تتحضر لعلاقة إستراتيجية وتحالفية كبرى وطويلة الأمد، لا سيما بمقارنتها مع مستوى التبادل التجاري لروسيا مع دول أخرى، مثل الدول العربية.

فالعلاقات الروسية الإيرانية، يمكن وصفها بالعلاقات الاضطرارية. إذ يقول “علي واعظ” مدير مكتب إيران في مجموعة الأزمات الدولية: “روسيا وإيران لا تثقان كل منهما بالأخرى، لكن كلًّا منهما بحاجة الآن إلى الأخرى أكثر من أي وقت مضى، ولم تعد الشراكة بينهما اختيارًا وإنما تحالف بدافع الضرورة”، فتاريخ الصراع الروسي الإيراني الدموي طيلة قرون ماضية، وعدم الثقة بين الجانبين في قضايا وملفات محورية مثل المِلَفّ النووي والتسلح والطاقة، لا يغيب عن ذاكرة صانع القرار الروسي والإيراني.

الخلاصة:

– مع التدخل الروسي في الأزمة السورية، وزيادة دور الكرملين في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط ككل، ومع إطلاق الكيان المحتل عدوانه على قطاع غزة، وما تبعها من تداعيات إنسانية كارثية في القطاع، وتصعيد إيراني إسرائيلي مع مناوشات هزلية في أبريل وأكتوبر 2024م، برزت على الساحة الخلافات الروسية الإيرانية القديمة الجديدة والتي يعود بعضها إلى بداية التدخل الروسي في سوريا العام 2015م، إذ إن العلاقات الروسية الإيرانية ليست كما تبدو، خاصة على مستوى الشرق الأوسط في ظل تعارض الأهداف والإستراتيجيات بين البلدين. إذ إن استياء إيران من الموقف الروسي خلال التصعيد الإيراني الإسرائيلي، ينبع من رؤية إيران بأن روسيا تحاول تحقيق توازن بين مصالحها في المنطقة دون تقديم دعم قوي لإيران في ظل التصعيد الحالي. وهذه التوترات تؤثر على العلاقات الثنائية بين البلدين، لكنها لا تزال تحت السيطرة بفضل المصالح المشتركة في بعض المجالات الأخرى والعقوبات الغربية على البلدين التي تجبر طهران وموسكو على احتواء الخلافات والقضايا العالقة بينهما.

كلمات مفتاحية: العلاقات الروسية الإيرانية – التنافس الروسي الإيراني – سقوط نظام الأسد – النفوذ الروسي – السياسة الروسية في الشرق الأوسط

المصادر:

مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

فرنسا 24

بي بي سي عربي

تليفزيون سوريا

الشرق الأوسط

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.