fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الأنظمة الاقتصادية تهتز تحت وطأة كوفيد -19

230

الأنظمة الاقتصادية تهتز تحت وطأة (كوفيد  -19)

 

  • البنوك المركزية تواجِه مخاطر الجائحة بضخ سيولة غير مؤمنة بغطاء ذهبي.
  • الاقتصاد الأول يواجِه أعنف أزمة منذ الحرب العالمية الثانية… والدين تخطى حاجز 20 تريليون دولار.
  • خسائر موجعة تكبدها الاتحاد الأوربي… وكورونا شلَّت ماكينات التنين الصيني.

هل نحن على أعتاب نظام عالمي جديد؟

في الوقت الذي ظن فيه البعض بأن العالم اجتاز فترة النقاهة من آثار وتداعيات الأزمة المالية العالمية أو ما يعرف بأزمة الرهن العقاري الأمريكي 2007/2008 والتي أطاحت بأسواق المال، وهوت بأسعار النفط دون 50 دولارًا بدلًا من 120$، وكبدت الدول المنتجة والناشئة خسائر فادحة لم تستعد عافيتها حتى تاريخه؛ إلا أنه ومع نهاية العام 2019 ومطلع العام 2020 فوجئ الجميع بفيروس كورونا المستجد يضرب المنطقة الصناعية بمدينة ووهان الصينية لأول مرة وسرعان ما انتشر بكثافة وغزا العالم، وها نحن إزاء سلاسلة جديدة من الفيروس وتحور آخر ظهر في بريطانيا، وتسبب في وقف وتعليق حركة الطيران منعًا لتكرار سيناريو ووهان.

استخدم التنين الصيني وسائل ومعلومات خاصة، وظل لفترة ليست طويلة يعالج الأمر بعيدًا عن الظهور الإعلامي، وباستفحال الوباء وخروجه عن السيطرة (عطست الصين) فأصيب العالم بالزكام!

وبمجرد انتشار كوفيد -19 سرعان ما انتقل إلى أصقاع العالم، ومع خطورة الأمر صنفت منظمة الصحة العالمية الوضع بالجائحة، وأخفق قادة العالم في تقديم الحلول والمعالجات حتى إن (منظمة الصحة العالمية) نفسها خضعت للضغوط السياسية والاقتصادية.

وقفز الفيروس القاتل بالبطالة محققًا أرقامًا قياسية، على إثر توقف المحركات وخطوط الإنتاج وانكفأ العالم على نفسه وبدت الصناعة في التراجع، وأغلقت الشركات والمصانع أبوابها أمام العمال والموظفين، واتجه البعض منهم إلى العمل -أونلاين- حتى إن الاجتماعات والمؤتمرات كانت تعقد عبر خاصية -الفيديو كونفرانس-.

وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي، فإنه من المرجح أ

ن يتعرض الاقتصاد العالمي لأسوأ موجة ركود له منذ سنوات “الكساد الكبير” 1929، وقد ينكمش النمو العالمي بشدة لأكثر من 3 %، وهو أسوأ بكثيرٍ من تداعيات الأزمة المالية في 2007 و2008، فالتأثير عنيف وملحوظ والركود بات محتملًا وقائمًا؛ بسبب إجراءات العزل الإجباري الذي فرضه العالم على نفسه.

أكبر تحدٍّ منذ الحرب العالمية الثانية:

أغلب المؤشرات تشير إلى أن جائحة كورونا أشد ضراوة وفتكًا باقتصادات الدول منذ الحرب العالمية الثانية، هكذا وصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، جائحة كوروا: بأكبر تحدٍّ منذ الحرب العالمية الثانية، ونقلت شبكة “رويترز” و”دويتش فيلة”  في 18 مارس 2020 عن المستشارة الألمانية ميركل، بأن الوضع خطير، والجدية باتت مطلوبة، لافتتة إلى أن الأمر، الآن صعب للغاية بالنسبة للاقتصاد وللشركات الكبيرة كما هو الحال مع المنشآت الصغيرة والعاملين المستقلين.

 

عيوب النظام المالي… وضخ السيولة النقدية:

تداعيات كورونا كشفت عيوب أنظمة الهياكل الاقتصادية حول العالم حتى إن النظام الرأسمالي المتوحش بطبعه على حساب الفقراء بدا شديد التأثر؛ رغم المكاسب التي كثيرًا ما حققها خلال الأزمات والحروب والصراعات، وحتى مع فاجعة كورونا، ونهض سريعًا ليزيد من طباعة العملة دون غطاء ذهبي، حيث تشير دراسات البنك الدولي إلى أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي  والخزانة الأمريكية وافقًا على ضخ 20% من السيولة النقدية الدولارية خلال 2020 دون غطاء ذهبي أو ضمانات تجارية أو صناعية، تبعه كذلك المركزي الأوربي، والصيني، والياباني.

وسلَّطت الخبيرة الاقتصادية ماريانا مازاتوكاتو، الضوء على مشكلات الرأسمالية وما ستواجهه الأنظمة الاقتصادية العالمية، فالوباء كشف عن عيوب عدة تتعلق بالرأسمالية، وقالت لـ”المنتدى الاقتصادي العالمي”، بأن الديون تفاقمت على الحكومات والأسر، حيث بلغ ديون الأسر بالولايات المتحدة الأمريكية قبل الأزمة الحالية 14.15 تريليون دولار، بزيادة 1.5 تريليون $ مما كان عليه عام 2008.

أمريكا تواجِه أسوأ أزمة منذ عام 1945م، والكونجرس يقرر حزمة تحفيزية بـ900 مليار دولار، واجهت أمريكا آثار تداعيات جائحة كورونا بمحفزات للبطالة ومخصصات مالية، ففي فجر الثلاثاء 22/12/2020 صوَّت الكونجرس الأمريكي بالموافقة على حزمة تحفيزية بعيدة المدى بقيمة 900 مليار دولار، لتعويض المتضررين من فيروس كورونا -بعد محادثات معقدة استمرت لشهور-، لكن البعض يقول: إن التحفيز جاء متأخرًا وأقل مِن المتوقع بكثير، في ظل ارتفاع معدلات البطالة وتراجع الاقتصاد الأمريكي بمقدار تريليون دولار عما كان يمكن أن يصل إليه لولا الجائحة.

وفشلت السياسات النقدية في كبح جماح التضخم للشركات الصغيرة المتضررة بشدة من الوباء، والفاقدين لوظائفهم خلال الجائحة، والعاملين في مجال الرعاية الصحية على الخطوط الأمامية للأزمة، بحسب ما أوردته شبكة (CNN).

من ناحية أخرى تضخم الدين العام الأمريكي مقابل الناتج المحلي الإجمالي متأثرًا بزيادة الإنفاق وضغوط مواجهة كورونا، وقد يصل 107% بحلول عام 2023، وهي النسبة “الأعلى في تاريخ البلاد” منذ 65 عامًا، متجاوزا المستوى القياسي المسجل عام 1946 بعد الحرب العالمية الثانية -وَفْقًا لمكتب الميزانية بالكونجرس الأمريكي-.

وبحسب التوقعات، فإن الموزانة الأمريكية قد تشهد عجزًا يصل 3 مرات محققًا ما قيمته 3.3 تريليون دولار، أو 16% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأكبر منذ عام 1945، ومع ذلك فإن الزيادة في الاقتراض حتى الآن لا تثير القلق بين المستثمرين أو تعوق قدرة البلاد على الاقتراض أكثر، كونها صاحبة الاقتصاد الأقوى في العالم.

بريطانيا تستدين بـ259.2 مليار جنيه استرليني في ستة أشهر:

وفي بريطانيا قفز الدين العام عند أعلى مستوى له منذ 1960، وأفاد مكتب الإحصاء الوطني البريطاني بإن الدين العام ارتفع بـ 259.2 مليار جنيه استرليني في الأشهر الستة الأولى من السنة المالية، ليصل إلى2059.7 مليار جنيه استرليني بنهاية سبتمبر 2020، أو نحو103.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أعلى نسبة للدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي منذ السنة المالية المنتهية في 1960.

كما ارتفع عجز الميزانية البريطانية في سبتمبر بسبب التوسع الكبير في الاقتراض للتعامل مع تداعيات جائحة كورونا، كما ارتفع صافي قروض القطاع العام في سبتمبر بـ 28.4 مليار جنيه إسترليني عن الشهر نفسه من العام الماضي إلى 36.1 مليار جنيه استرليني، وسط توقعات بتراجعات وخسائر أعنف مع التحور الجديد لـ “كوفي د-19″، ما أفضى إلى أخذ العديد من الدول بعدم السفر من وإلى المملكة المتحدة.

1.8 تريليون ين خسائر اليابان خلال الربع منذ ظهور الجائحة:

وفي اليابان كبدت فاتورة “كورونا” خسائر كارثية، وصلت خلال الربع الأول من العام 2020 ما يربو على 17  مليار دولار بعد تعطل سلاسل الإمدادات، وحظر السفر، ومطالبة الحكومة بإغلاق بعض العمليات، وهبوط إجمالي المبيعات بنحو 1.8 تريليون ين حتى إبريل 2020.

خسائر موجعة تكبدها الاتحاد الأوروبي:

أوربيًا انخفض الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بقيمة 11.4% خلال الربع الثاني من العام 2020، وسجل التضخم 0.4% خلال يوليو الماضي، وارتفعت نسب البطالة لـ7.2% و17% بين عمر الشباب، وتضرر الاتحاد بسبب الانكماش وعانت إيطاليا، وإسبانيا، وألمانيا، فرنسا، واليونان، والبرتغال، والمجر، وباقي الدول من أثر تداعيات فيروس كورونا المستجد، وبدى الاتحاد يعاني من انتكاسة موجعة، وتواجِه تململًا من كل ما هو أوربي.

الفيروس شلَّ ماكينات التنين الصيني:

وعانت الصين منشأ ونقطة اكتشاف الفيروس القاتل، وعاشت مقاطعتي (ووهان وهوباي) أوقاتًا صعبة خصوصًا وقت تفشي ذروة الجائحة، حيث شلّ فيروس كورونا المستجد المحركات الرئيسية للاقتصاد، فالمصانع أغلقت أبوابها وتوقف الإنتاج وتدهور، واتجه نحو التراجع، وخفض محللون توقعاتهم للنمو بتراجع 4% مقابل 5.6% خلال الربع الأول من العام 2020 ما دفع بالتنين الصيني إلى تعزيز تدابير تحفيز الاقتصاد.

فرضيات حول النظام المالي العالمي:

وهنا يتبادر لنا تساؤلات وافتراضات حول حقيقة ما يحدث وما تأثيره على القطاع الاقتصادي؟ وهل نحن إزاء نظام مالي جديد يكون أكثر شمولية بعيدًا عن الليبرالية وتوجهات الرأسمالية أوالاشتراكية أو مزيج بينهما؟ وما حقيقة التقارب أو التحالف الصيني الروسي الهندي؟ وهل نحن مقبلون على نظام عالمي آخر؟ وما مصير الكيانات والأنظمة الكبرى، ولمن سيئول النظام الاقتصادي بعد كورونا؟ أسئلة طرحت نفسها وتبحث عن إجابة.

عدم مساواة وخيبة أمل:

وإذا أخذنا بعين الاعتبار فإن توحيد الدخل بين الفئات وتوزيع الثروات والمساواة بين البشر ليس له مكان في عالمنا، فالرأسمالية قد توحشت واتسعت الفجوة بين الطبقات الغنية والفقيرة، وأثبتت البرامج الاجتماعية المبنية على الاشتراكية فشلها في مواجهة فيروس كورونا المستجد، حتى أصيب الجميع بخيبة أمل وخداع، فأغلب المستشفيات والمراكز الصحية في الدول الكبرى كاملة العدد، بل تم استحداث مراكز وتجمعات إضافية لاستقبال المرضى وذوي الحالات الحرجة؛ ما يعني أن أعتى الأنظمة الصحية لم تعد قادرة على تحمل مزيدٍ مِن المرضى.

آخرون يرون أن جائحة كورونا قد تفضي إلى الاهتمام بشبكات الضمان الاجتماعي لتكون أكثر تفاعلًا خلال الأزمات والكوارث تجاه المضارين مِن البطالة أو مَن فقدوا وظائفهم، وقد تحدث عمليات إنقاذ على المدى المتوسط والبعيد.

بكين وواشنطن وجهًا لوجه مع كورونا:

اعتمدت سياسة الرئيس الأمريكي دونالد سياسة العصى والجزرة، خاصة أمام الاقتصادات الكبرى وعلى رأسهم: الصين، حيث اتبع ترامب فرض التعريفة الجمركية، وأشعل حربًا تجارية مع بكين، حتى رضخت في بعض الأوقات ورفضت التنفيذ في أوقات أخرى؛ لكن الغلبة كانت تميل دائمًا إلى أمريكا التي غرقت في موجات الإصابة متخطية 18 مليونًا حالة مقابل 80 مليون إصابة حول العالم، وفقدت ما يربو عن 350 ألف حالة وفاة مقابل 1.8 مليون حالة حول العالم.

وفي المقابل: تعاملت بكين وآسيا مع الجائحة بشكلٍ مختلفٍ عن واشنطن وأوروبا وأمريكا اللاتينية، وبدا الاقتصاد وكأنه أكثر تماسكًا 14.55 تريليون دولار، ونحو 60% من حجم الاقتصاد العالمي، حيث أوضحت دراسات أن قيمة الدولارات المتداولة في العالم سوف تبلغ ما بين 9 و12 تريليون دولار وتمثِّل 3 أضعاف المتداول منذ إعلان الجائحة، ونحو 15 ضعف منذ الأزمة المالية العالمية 2008.

طبع وضخ سيولة غير مؤمَّنة بغطاء ذهبي:

في ظل تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، اتجهت البنوك المركزية والاحتياطي الفيدرالي والمركزي الأوروبي والياباني والصيني إلى حلول وقتية، وصُفت بالمسكنات والخادعة؛ فالأزمة آخذة في التدهور، وعمًق تأثيرها ضخ سيولة نقدية دون غطاء ذهبي في كلٍّ من: أمريكا، والصين، وأوروبا، اليابان، ما سينعكس سلبًا على معدلات التجارة العالمية والعولمة، والسلاسل الصناعية والتكنولوجية حول العالم على شكل (الانهيار الجليدي)، وهذا شيء غير مسبوق حتى وإن حدث قبل ذلك في فنزويلا، وزيمباوي، وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وروسيا عقب انهيار الاتحاد السوفيتي.

بالتالي: فإن السيولة النقدية غير المغطاة يصعب سحبها من الأسواق، وسيؤثر على الثورة التكنولوجية والصناعية الرابعة، خصوصًا وأنها اندمجت مع الحسابات المصرفية ودخلت سلاسل الائتمان، وخزائن البنوك، ما يعني أن قرب الانتعاش الاقتصادي أصبح أمرًا غير وارد على المدى القريب أو المتوسط؛ فإما أن يستمر العالم في الانزلاق للكساد وإلى أمد طويل، أو أن يبدأ التضخم المفرط المتأثر (بانهيار العملة وارتفاع أسعار السلع) على إثر طباعة “الدولار/ والين/ واليورو/ واليوان”، أو قد نرى تحالفات دولية كبرى أوبزوغ نظام اقتصادي يقلب الموزاين، ويعيد العالم نحو الاستقرار.

حقيقة الأمر أن -الفيروس التاجي- (كوفيد – 19) كشف عوار غياب العدالة الاجتماعية بالهياكل الاقتصادية، وضعف وعجز المنظومات الصحية، فالجائحة زادت من توسع الفجوة القائمة بين الطبقات الفقيرة والغنية، ويؤثِّر سلبًا على أنظمة الشمول المالي أو البطاقات الذكية؛ فضلًا أن التأثيرات الاقتصادية السلبية فاقمت الخلافات السياسية والاقتصادية بين الأنظمة المختلفة سواء (الرأسمالية / الاشتراكية) أو حتى الليبرالية في الغرب، وما يدور الآن قد يمهِّد الطريق أو يزيح الستار عما ينسج الآن داخل الغرف المغلقة بين الصين وروسيا والهند، تحسبًا لتصدع النظام الرأسمالي العالمي، وهو ما قد يزيد من حدة العداوات والأزمات والصراعات بين الدول.

سيولة غير مؤمنة لها تبعات مؤلمة، وقد يؤثرعلى التوازن بين المال والسلع، فالتضخم يتناسب مع كمية النقود المتداولة مضروبًا في سرعة تداول هذه النقود، وبالتالي: إجمالي الطلب لا يحدده فقط مقدارالأموال التي يمتلكها المستهلكون، ولكن أيضًا بمعدل تسوقهم، وعند الادخار تتناقص عدد المعاملات وتنخفض سرعة تداول الأموال، وعندئذٍ يبدأ الانكماش وينخفض الإنتاج والطلب، وتُسرّح العمالة ويتسارع الهبوط، وحينها تتجه الحكومات لزيادة الأموال لتجنب الصدمة الانكماشية، والحفاظ على الأسعار.

التعليقات مغلقة.