fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

أثر استخدام إيران لقواها الناعمة في تعزيز العلاقات الدولية غرب إفريقيا … السنغال أنموذجًا

308

أثر استخدام إيران لقواها الناعمة في تعزيز العلاقات الدولية غرب إفريقيا… السنغال أنموذجًا

 

فتشير الدراسات إلى أن إيران توسَّعت غرب إفريقيا، واتخذت من “السنغال أنموذجًا” للتمدد، فمنذ مجيء النظام الراديكالي الحالي إلى السنغال، سعت إيران إلى التسلل الناعم، وبناء علاقات ثنائية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية؛ لنشر المذهب الشيعي، والاستفادة من ثروات وممتلكات غرب إفريقيا بصفة عامة “والسنغال على وجه الخصوص”.

كيف وصل التشيُّع إلى السنغال؟

هناك مَن يقول: إن التشيع نشأ في السنغال بمساعدة من الاستعمار الفرنسي الذي أتى بشيعة من لبنان لرسم جدار فاصل أو عازل بين السكان السنغاليين الأصليين وتقسيمهم، ومحاولة استمالتهم وشق صفوفهم عن طريق التشيع.

القارة السمراء تبدو مهمة ومحورية لإيران حيث قسَّمت إفريقيا إلى شرق وغرب ووسط؛ فالشرق به الممرات والمضايق المائية، ولها أسطول بحري بالقرب من باب المندب، والوسط يغلب عليه الديانة المسيحية وتنتشر به البعثات التبشيرية. أما الغرب فكان له اهتمام خاص حيث عَيَّن الإمام موسى الصدر “1928-1978” مريده الشيخ عبد المنعم الزين 1969، مرشدًا دينيًّا لأبناء الجالية اللبنانية في السنغال؛ لنشر الفكر العقدي والشيعي.

استلم الشيخ “الزين” مهام عمله وواصل رحلته حتى تعرَّف على شيوخ وعوائل القبائل ومريدي الطرق الصوفية القادرية، والتيجانية، والشاذلية وغيرها، وبعد سنوات انتفضت المنطقة العربية والإقليمية على ثورة الخميني 11 فبرير 1979 ضد حكم الشاه محمد رضا بهلوي، والتي أطاحت بمملكة فارس بعد حكم استمر زهاء 2500 عام.

أعلنت إيران نجاح الثورة وأطلقت على نفسها: “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، وادَّعت مناصرتها للقضية الفلسطينية والوقوف بجانب المستضعفين، وأعلنت العداء الظاهري للصهيونية العالمية لاستقطاب أتباع ومحبي -وبالأخص- الدول التي عانت من الجهل والفقر والمرض، وسطوة الاستعمار، حيث أرادت أن تقدِّم لهم نموذجَ الثورة الإسلامية.

الموقع الجغرافي:

تقع جمهورية السنغال جنوب غرب القارة السمراء وسُميت بذلك نسبةً إلى نهر السنغال، تبلغ مساحتها حوالي 196.712 كيلو متر مربع يحدها من الشمال موريتانيا، ومن الغرب مالي، ومن الشرق غينيا، ومن الجنوب غينيا بيساو، والإسلام هو الدين الرئيسي في البلاد، ونسبة المسلمين هناك 95% تقريبًا، وأغلبهم يتبعون الفكرالأحمدي وكان يغلب عليهم في الماضي حياة الزهد والتقشف، حتى حلت الطرق الصوفية من شمال إفريقيا.

أسباب دينية وإستراتيجية:

بدا الاهتمام بالسنغال لما تتميز به من مقومات كأغلبية إسلامية وموقع جغرافي ومنفذ للصادرات نحو أوروبا، فضلاً عن ما تمتلكه من مقومات وموارد غنية وبيئية وزراعية واقتصادية، ولها خصائص طبيعية جاذبة للتطلعات والمطامع والأنشطة الإيرانية ويتلخص هذا في 4 أبعاد:

  • أولًا: البُعد الديني:

 إذ تقع السنغال ضمن الحزام الإسلامي الكبير غرب إفريقيا يتجاوز عدد سكانه نحو270 مليون نسمة غالبيتهم من أهل السنة 161 مليون، ويضم كلًّا من: “السنغال – الرأس الأخضر – بوركينا فاسو – بنين – غامبيا – غانا – غينيا – غينيا بيساو – ليبيريا – النيجر – نيجريا – مالي – موريتانيا – توجو – سيراليون – ساحل العاج”، ويسمح هذا التجمع أيضًا في زيادة مرور المواد النفطية والاستفادة من رخص العمالة، وسهولة الشحن والتفريغ عبر الموانئ.

  • ثانيًا: البُعد الإستراتيجي:

تجمع غرب إفريقيا علاقات وقواسم مشتركة سياسية “الإيكواس” وثقافية “فرانكوفونية” ما سيعطي ثقل لإيران داخل المحافل الدولية، ويُسهّل عمل المؤسسات والتنظيمات التابعة لها في دول الغرب، فضلاً عن وضع موطئ قدم لها على الممرات المائية حيث المحيط االأطلسي من الغرب ، وهو ما يسهل بالانفتاح على العالم ومن ثم مرورالمنتجات النفطية الإيرانية، والاستفادة من رخص العمالة وسهولة الشحن فضلا زيادة عن التبادل التجاري مع هذا التجمع الضخم.

  • ثالثًا المؤسسات والمنظمات:

تواصلت إيران بشكل رسمي وغير رسمي مع العديد من المنظمات والطرق في السنغال، فمولت ودعت لإنشاء جمعيات ومؤسسات مِن بينها: “المزدهر” والفجر”، وجامعة المصطفى العالمية، وأنشأت مركز الإمام الرضا بمدينة كولاخ، والمؤسسة الإسلامية الاجتماعية في داكار، ومدرسة الرسول الأعظم بكازماس.

  • رابعًا: التعامل مع الساسة:

دَرَسَت إيران تاريخ السنغال الحديث وعَلِمت مدى تأثير الطرق الصوفية على صانعي القرار، ولمَ لا والرئيس الأول “ليبولد سيدار سنغور” رغم كاثوليكيته؛ إلاّ أنه استقى شرعيته بالتقارب مع الطرق الصوفية، وهكذا مع باقي الرؤساء، ومَن يخالف يتم عزله كما فعلوا مع “عبده ضيوف” بداعي أنه وجَّه البلاد صوب “العلمانية المفترسة” ليأتي بعده واحدًا من أتباع الطريقة المريدية، وهو: “عبد الله واد”، حتى إن الرئيس الحالي “ماكي سال” يسير على درب مَن سبقوه.

النفوذ الاقتصادي:

أغلب الفاعلين الاقتصاديين في السنغال لهم ضيعات وأراضٍ وممتلكات زراعية، ويعملون في الفلاحة والبساتين والفول السوداني، ولهم نشاط اقتصادي واستثماري كبير ومتنوع، ويتبعون الطرق الصوفية ويحيون ذكرى الشيخ إبراهيم نياس على الطريقة “التيجانية”، وأحمد بمبا مبكي على الطريقة “المريدية” والشاذلية، ويشاركهم أتباعهم ومريديهم بحضور معممين شيعة من إيران ضمن إحياء الشعائر الدينية لمدينة طوبا “المقدسة”، والتي تحتل حيِّزًا مؤثِّرًا وملحوظًا من الاقتصاد السنغالي.

دعمت إيران داكار بإنشاء مصنع “سنيران أتو” لإنتاج وتجميع السيارات ماركة سمند بمدينة “تيس”، ويُعد ثالث أكبر المدن الصناعية هناك وهو واحد من أهم مصانع السيارات غرب إفريقيا، وقفز الميزان التجاري خلال السنوات الأخيرة بعد القطيعة من 4.6 مليار دولار إلى 16 مليار دولار.

تعزيز العلاقات:

تعززت العلاقات الثنائية بين داكار وطهران بعد قيام الرئيس محمد خاتمي بزيارة السنغال على رأس وفد كبير من مرافقيه عام 2004، وفي عام 2006  قام”عبد الله واد” رئيس السنغال بزيارة إلى إيران للمرة الثانية، قابله الرئيس محمود أحمدي نجاد بزيارة إلى السنغال في نفس العام، وجرت محادثات واسعة بهدف توسيع العلاقات الثنائية؛ لدرجة أن الرئيس السابق هاشمي رافسنجاني خلال استقباله سفير السنغال السيد باباركو، وصف السنغال بأنها البوابة الغربية لإفريقيا عبر أوروبا، ورد “باباركو” أن بلاده تعتبر إيران كنزًا غنيًّا من حيث الشؤون التقنية والتخصصية لبلاده، وفي 2012 وعلى هامش قمة منظمة التعاون الإسلامي: اجتمع الرئيسان الإيراني والسنغالي، واتفقا على استئناف العلاقات بين البلدين.

وفي 2016 التقى الرئيس حسن روحاني بالرئيس السنغالي ماكي سال على هامش قمة منظمة التعاون الإسلامي باسطنبول، وأعرب الأخير عن رغة بلاده في تنمية العلاقات الثنائية، وفي 2018 زار وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف السنغال واتفقا مع المسؤولين هناك على زيادة التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي والتعليمي ووجَّه الدعوة إلى الشباب الالتحاق بجامعة المصطفى ووعدهم بمساعدات اجتماعية كدافع لهم في هذا الشأن.

طهران… والقطيعة:

واجهت العلاقات بين البلدين فترات ما بين الصعود تارة والهبوط مرة أخرى، وذلك على مدارعقود مضت فبعد اقتحام السفارة الأمريكية في طهران في 4 من نوفمبر 1979 أدانت السنغال هذه الحادثة، وأغلقت سفارتها في طهران، كما وقفت موقف المحايد خلال الحرب العراقية الإيرانية.

 تنظر إيران إلى السنغال من نوع تحقيق منفعة عظمى للاستفادة وبشكلٍ كبيرٍ من المنفعة الديموجرافية، وخدمة المشروع التوسعي وتصدير الثورة ونشر المذهب الشيعي، وعلى إثر ذلك تلاحظ عام 1983 دخول دبلوماسسيين إيرانيين العاصمة داكار بطريقة غير شرعية، وهو ما أثار حفيظة السنغاليين وأبدت اعتراضها على هذا التصرف.

أيضًا: دعمت إيران الحركات الانفصالية المسلحة ضد الحكومة السنغالية، في منطقة كازاماس الحدودية مع غامبيا، وأسفر ذلك عن مقتل عدد 16جندي بأسلحة إيرانية، وتبيَّن فيما بعد أن شحنة من الأسلحة كانت في طريقها إلى الانفصاليين وتم ضبطها في نيجيريا، وهو ما تسبب في قطع العلاقات.

التغلغل الإيراني:

عملت إيران على التواجد والتغلغل في السنغال لمواجهة التحديات والعقوبات الغربية المفروضة عليها مستغلة في ذلك تراجع الدور الخليجي والعربي، فزادت من نفوذها غرب إفريقيا، وبلغت نسبة التشيع في السنغال حسب الأرقام المعلنة 5% وإن كان القياس من الصعوبة بمكان الأخذ بدقته؛ لعدم وجود بنية معلوماتية دقيقة في هذا الشأن.

وتشير تقارير عن إنشاء حزب سياسي يدعى: “حزب الله السنغالي”، لكن تداعت أيدلوجيته وتبخّرت وخفت ضوئه خلال رئاسة عبدو ضيوف وعبد الله واد، حتى إن أحد الشخصيات المعروفة في السنغال إبراهيم باجان دعا الشباب إلى التشيع وتزيين زواج المتعة، ومثلت هذه الواقعة فرصة للمكاشفة بين التيار السني والشيعي في البلاد، وانتهى إلى التحقيق مع صاحب الدعوة، ومثَّل هذا الأمر فرصة سانحة لمقاومة التشيع فالسلطات يهمها في المقام الأول الحفاظ على نسيج الشعب، ويمكنها التحالف مع الطرق الصوفية المنتشرة هناك لوقف خطر التشيع.

وخلال فترة الرئيس الحالي “ماكي سال”  تم الاستعانة بـ”حيدر العلي” وهو “شيعي” ومن أصل لبناني ليتولى منصب وزير البيئة والصيد وحماية الطبيعة.

ثورات الربيع العربي وسقوط العراق:

استغلت إيران ثورات الربيع العربي وانشغال كل دولة بشئونها: فالعراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، ولبنان، أزمة خانقة؛ ولهذا تراجع حجم المساعدات والمنح الاقتصادية والاستثمارية، فارتأت لإيران أن الساحة خالية أمامها وبسطت مزيدًا من النفوذ، كما لعبت على الضغوط الدولية لتطويق المساعدات التي كانت تمنح يومًا ما للجمعيات الدينية والمؤسسات الخيرية، وما انفتئت أن أشاعت في شتى المحافل الدولية، وخاصة الدول الفرانكوفونية أن التشيع هو النظام الآمن والأمثل لمواجهة الصراعات العسكرية أو المسلحة، ما مثَّل مزيدًا من الضغوط  أمام الجمعيات والمؤسسات الدينية وغيرها وتراجع الدور العربي.

وخلال الفترة الأخيرة وسَّع الخليج العربي والأزهر الشريف من تواجده اقتصاديًّا ودبلوماسيًّا ودينيًّا وتعليميًّا حتى على المناحي الصحية، ولكن هذه الأمور تحتاج إلى مزيدٍ من الجهود على كافة الأصعدة، خاصة وأن خطر التشيع يلعب على زرع الفرقة والخلاف وإشعال الحروب الطائفية، وتفكيك النسيج الاجتماعي، والتشرذم والتناحر.

مما سبق يتضح لنا أن التشيُّع انتشر في السنغال؛ وذلك لعدة أمور، من بينها:

  • ضعف وتقليل الدعم المادي الذي كان يوجَّه للجمعيات القائمة على نشر صحيح الدين؛ بحجة مكافحة الإرهاب، وأن لا تصل هذه الأموال إلى الجماعات المسلحة.
  • تضييق الخناق على العمل الخيري القادم من الخليج.
  • أشاعت إيران بأن التشيع هو الحل الآمثل أو الأكثر أمانًا لمواجهة الجماعات التكفيرية أو المسلحة.
  • جمدت بعض الجمعيات الدعوية أنشطتها خوفًا من لصق تهم الإرهاب بها.
  • سقوط العراق مثل قوة دعم كبيرة للنفوذ الإيراني غرب إفريقيا.
  • انتشار طرق التصوف وضعف المؤسسات التعليمية في نشر صحيح الدين.
  • يعتقد الغرب خطأ أن التشيع أكثر أمانًا على المجتمع الإفريقي.

 

 خاتمة:

مما سبق يتضح لنا: أن إيران اتبعت ما يُسمَّى بسياسة التسلل الناعم، ومارست التغلغل غرب إفريقيا مستخدمة شعارات زائفة وبراقة، استخدمتها لاستمالة الشعوب الفقيرة أو التي عانت من نير الاستعمار؛ لكن سرعان ما زادت من تحولها اقتصاديًّا بزيادة الصادرات والمشاركة في المشروعات الاقتصادية لبسط نفوذها وتحقيق مآربها على المدى البعيد.

ويمكن القول بأن طهران نجحت إلى حدٍّ كبيرٍ في تحقيق ذلك، حتى استشعرت الدول العربية والأزهر الشريف هذا الخطر؛ فبادر بالتوسع في استقبال البعثات لنشر صحيح الدِّين وإن كان هذا الأمر يحتاج إلى معالجات خاصة؛ اقتصادية، وسياسية، ودينية، وثقافية، وليكن على سبيل المثال: التوسع في الاستثمار العربي والخليجي غرب إفريقيا، وإقامة شراكات مع هذه الدول في مجالات البنية التحتية والتنمية، ومكافحة الفقر والجريمة.

كذلك التوسع في البعثات الدبلوماسية الهادفة، وجلب واستقبال مزيدٍ من الطلبة الوافدين للدراسة في مصر والدول العربية، ومنح الفرصة أمام الجمعيات المتخصصة ورجال الدين الإسلامي وعلماء الأزهر لشرح صحيح الدِّين، وتقديم المنح والمساعدات المادية والمشاركة في إقامة السدود والمصانع والمشروعات الكبيرة، وتقديم الخبرات العربية والمصرية في شتى المجالات: الصناعية، والصحية، والزراعية، والثقافية، والرياضية.

توصيات:

  • النظر بعين الاهتمام للجماعات الشيعية التي تسعى لتكوين أحزاب وتكتلات سياسية كما حدث من قبل في السنغال بتكوين حزب الله السنغالي، وجماعة الزكزاكي في نيجريا.
  • ربط الدول الإفريقية بالجامعات والجمعيات الدينية والمراكز الدعوية لمساعدتها في كشف زيف التشيع وبيان خطره على المجتمعات.
  • التواصل مع الشعوب والتخاطب معهم بلغتهم حتى يسهل شرح وتبيان الحقيقة.
  • توحيد الجهود العلمية والاستعانة بالمختصين من رجال الدين الإسلامي وعلماء الأزهر، والتعاون في هذا الشأن مع البعثات الدبلوماسية.
  • ترجمة الكتب الصحاح وإعادة نشرها باللغات الأجنبية والسواحلية، وتوزيعها على الجاليات الإفريقية والأعاجم لمواجهة خطر التشيع.

   المصادر:

  • بنك المعرفة.
  • الطريقة التيجانية وغرب إفريقيا معرفة.
  • محمد الأمين سوداغو، انتشار التشيع وتأثيره في النسيج الاجتماعي في غرب إفريقيا، 6-2016 قراءات إفريقية

 

 

التعليقات مغلقة.