fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

العنف الأسري… أسبابه وآثاره وطرق علاجه

830

العنف الأسري… أسبابه وآثاره وطرق علاجه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلقد تصدر نبأ مقتل الطفلة “جنة” مواقع التواصل الاجتماعي؛ طفلة لم تتجاوز بالكاد عامها الخامس مشوهة بكدمات وحروق في كل جسدها تقريبًا!

سبعة أيام عصيبة قضتها الطفلة “جنة” متنقلة بين المشافي أملًا أن تنتهي معاناتها، لكن أثر الحروق كان أكبر من أن يتحمله جسدها الهزيل فأسلمت روحها إلى بارئها فجر السبت 28/11/2019م.

مَن فعل بجنة هذا الفعل الشنيع؟!

سؤال راج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الرد كان مفجعًا عندما كشفت صحف مصرية أن الجدة هي التي تقف وراء ما حدث لحفيدتها!

جدتها التي تقوم على تربيتها ورعايتها، والتي فقدت كل معاني الرحمة، فبدلًا من رعايتها قامت بضربها وتعذيبها، بل وكيها بآلة حادة في جهازها التناسلي بسبب تبولها لا إراديًّا!

قضية تحمل صورة مفزعة من صور العنف الأسري، والتي بدأت تظهر في مجتمعاتنا في الفترة الأخيرة، مما دفع فريق البحث بالمركز لدراسة هذه الظاهرة؛ للوقوف على أسبابها وكيفية معالجتها؟!

بداية نقول: تعتبر مشكلة العنف الأسرى من أكثر المشكلات التي تؤثِّر سلبيًّا على المجتمعات، فهي تؤثر على الأسرة بالكامل، والتي تعد نواة المجتمع، كما أن تلك المشكلة تؤدي مباشرة إلى انتشار الفساد والكثير من المشكلات السلبية التي نراها حاليًا في مجتمعاتنا بصورة واضحة.

وتعتبر أيضًا ظاهرة العنف الأسري من الظواهر التي تفشت في المجتمعات الإنسانية، والتي ترتبط بروابط اجتماعية مع الوسط الذي يعيش فيه الإنسان فيؤثر فيه، وبه يتأثر، ومظاهره وأشكاله كثيرة ومتنوعة.

فما المقصود بالعنف الأسري؟

يُقصد به: إلحاق الأذى بأحد أفراد الأسرة باستخدام القوة المادية أو المعنوية بطريقة غير مشروعة، وقد يشمل عدة صور مختلفة، منها: العنف تجاه الزوجة، أو العنف تجاه الأطفال أو عنف الزوجة تجاه زوجها، أو العنف تجاه كبار السن والمسنين، كما يشمل العنف الجسدي، والعنف اللفظي، والعنف الجنسي، والعنف الفكري والاجتماعي.

وحسب دراسة للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، 30 % من المصريات يمارسن العنف ضد أزواجهن.

أمّا فيما يتعلّق بالعنف المنزلي، فامرأة واحدة من كلِّ 4 نساء في مصر يُعنّفنَ من قِبَل أزواجهنّ وفق التقرير الأخير للمركز المصري لحقوق المرأة.

ويعرَّف العنف الأسري أيضًا بعدة مسميات، منها: الإساءة الأسرية، أو الإساءة الزوجية، ويمكن تعريف الأخير بشكلٍ مِن أشكال التصرفات المسيئة الصادرة من قِبَل أحد أو كلا الشريكين في العلاقة الزوجية أو الأسرية، وله عدة أشكال، منها: الاعتداء الجسدي: (كالضرب، والركل، والعض، والصفع، والرمي بالأشياء، وغيرها) أو التهديد النفسي: كالاعتداء الجنسي أو الاعتداء العاطفي، أو السيطرة أو الاستبداد أو التخويف، أو الملاحقة والمطاردة، أو الاعتداء السلبي الخفي: كالإهمال، أو الحرمان المادي، ولا يقتصِر العنف الأسري على الإساءات الجسدية الظاهرة، بل يتعداها ليشمل أمورًا أخرى: كالتعريض للخطر أو الإكراه على الإجرام أو الاختطاف أو الحبس غير القانوني، أو التسلل أو الملاحقة والمضايقة.

ولا يقتصر العنف الذي تتعرض له النساء في كثيرٍ مِن الأحيان على الزوج فقط، بل قد يشمل أيضًا أفراد الأسرة الآخرين، مثل: الوالديّن والأشقاء والأصهار، ولقد تبيّن مِن خلال كثيرٍ من الدراسات التي تجريها المراكز البحثية في المجتمعات الشرقية والعربية على ظاهرة العنف الأسري أن الزوجة هي الضحية الأولى، وأن الزوج بالتالي هو المعتدي الأول.

يأتي بعدها في الترتيب: الأبناء والبنات كضحايا؛ إمّا للأب أو للأخ الأكبر أو العم؛ فبنسبة كبيرة جدًّا يكون مصدر العنف الأسري رجل.

أسباب العنف الأسري:

هناك أسباب عديدة تؤدي مباشرة إلى العنف الأسري، والتي أهمها:

1- اعتقاد المعتدي أن العنف حق له أو أمر مقبول أو مسوغ.

2- ضعف الوازع الأخلاقي والديني، وسوء الفهم عند مَن يقوم بالاعتداء.

3- غياب ثقافة الحوار والنقاش والتشاور بين أفراد الأسرة.

4- سوء تربية المعتدي ونشأته في بيئة مليئة بالعنف في التعامل، فيظهر ذلك في سلوكياته.

5- سوء الاختيار بين الزوجين وعدم وجود تجانس بينهما في مختلف جوانب الحياة من التربية، وحتى التفكير والتعليم والمستوى الاجتماعي.

6- بعض الموروثات الاجتماعية الخاطئة في بعض المجتمعات، مثل: العادات والتقاليد التي يقاس عليها قوة رجولة الرجل من خلال قيادته لأسرته بالعنف والضرب لزوجته وأولاده، وهذا هو مقياس الرجولة في تلك المجتمعات التي تنعدم فيها الثقافة.

7- ضغوط الحياة العصرية، فالفقر والضغط النفسي والإحباط المتولد من طبيعة الحياة العصرية، وسوء الحالة المادية والبطالة، والظروف الصعبة تعد من المنابع الأساسية لمشكلة العنف الأسري بداخل بعض الأسر كتفريغ لشحنة الخيبة والفقر الذي تنعكس آثاره بعنفٍ مِن قِبَل الأب إزاء الأسرة.

8- تعاطي الكحول والمخدرات مما يُفقد القدرة على السيطرة في التصرفات.

9- الأمراض النفسية والاجتماعية لدى أحد الزوجين أو كليهما.

10- التنشئة الاجتماعية الخاطئة التي تنتج أفرادًا يكونون ضحية للعنف في صغرهم، فيمارسونه على أفراد أسرهم في المستقبل.

11- ظاهرة تفضيل الذكور على الإناث وخاصة في المجتمعات الشرقية؛ مما يؤدي إلى تحفيز بعض الأعمال الذكورية التي تؤذي المرأة، وأهمها هو أنواع العنف المختلفة التي تتعرض لها المرأة في مجتمعاتنا العربية على وجه الخصوص، فنرى أن هناك الكثير من العوامل التي تؤثر في الفرد من صغره؛ خاصة تلك التي تتعلق بالأفضلية بين الفتيان والفتيات، وينشأ الرجل على تلك الأساسيات التي تستمر معه طيلة حياته.

12- المفهوم الخاطئ لمعنى قوامة الرجل على المرأة، وأنها تعني الأوامر والنواهي وحب السيطرة وإلغاء شخصية المرأة، وكأنها تزوجت لتكون خادمة عند زوجها، وإن لم تفعل يكون جزاؤها المعاملة القاسية والعنيفة.

أسباب العنف الأسري ضد الأطفال:

علاوة على ما سبق، فهناك أسباب أخرى للعنف الأسري ضد الأطفال بصفة خاصة، منها:

1- ضعف الروابط الأسرية بين الأسرة الواحدة.

2- طبيعة علاقة الأبوين داخل الأسرة.

3- جهل الأبوين بطرق التربية السليمة.

4- عدم معرفة الأسرة لاحتياجات الطفل.

5- سوء علاقة الطفل بعائلته.

6- وجود مشاكل وضغوطات نفسية على أفراد الأسرة.

7- إصابة أحد أفراد الأسرة ببعض الأمراض النفسية أو العقلية أو الجسدية، وخاصة المزمنة.

8- ضعف ثقة الأبوين بأنفسهم.

9- انتشار العنف المجتمعي.

10- وجود العديد من الأفكار والمعتقدات الخاطئة، مثل: امتلاك الأبوين للطفل، ومعاملته بالطريقة التي تحلو لهم.

11- كثرة انتشار الجهل.

12- انعدام الثقافة والوعي العام والسلوكيات الخاطئة في المجتمع

آثار العنف الأسري:  

كنتيجة للعنف قد يعاني الضحايا من إعاقات جسدية ومشاكل صحية مزمنة، وأمراض عقلية، وضائقة مالية، وضعف القدرة على إقامة علاقات صحيحة، وقد يعاني الضحايا أيضًا من صدمات واضطرابات نفسية شديدة، وغالبًا ما تظهر لدى الأطفال الذين يعيشون في عائلة تستخدم العنف مشاكل نفسية في سنٍّ مبكرةٍ، مثل: العزلة، والخوف الكبير من التهديدات.

ولذلك فللعنف الأسري آثار ضارة وعواقب مهلكة على الفرد والأسرة بصفة خاصة، والمجتمع بصفة عامة، ومنها:

1- أثر العنف الأسري على الفرد:

هناك آثار كثيرة على مَن مُورس العنف الأسري في حقه، منها:

أ- تسبب العنف في نشوء العُقد النفسية التي قد تتطور وتتفاقم إلى حالات مرضية أو سلوكيات عدائية أو إجرامية.

ب- زيادة احتمال انتهاج هذا الشخص -الذي عانى من العنف- النهج ذاته الذي مورس في حقه مع الآخرين.

2- أثر العنف الأسري على الأسرة:

تفكك الروابط الأسرية وانعدام الثقة، وتلاشي الاحساس بالأمان، وربما نصل إلى درجة تلاشي الأسرة.

3- أثر العنف الأسري على المجتمع:

نظرًا لكون الأسرة نواة المجتمع، فإن أي تهديد سيوجَّه نحوها -من خلال العنف الأسري- سيقود بالنهاية إلى تهديد كيان المجتمع بأسره بالتفكك والانهيار.

علاج ظاهرة العنف الأسري:

1- الوعظ والإرشاد الديني المهم لحماية المجتمع من مشاكل العنف الأسري؛ إذ إن تعاليم الدين توضح أهمية التراحم والترابط الأسري، واحترام الصغير للكبير، وكذا عطف الكبير على الصغير.

2- تقديم استشارات نفسية واجتماعية وأسرية للأفراد الذين ينتمون إلى الأسر التي ينتشر فيها العنف.

3- وجوب تدخل الدولة في أمر نزع الولاية من الشخص المكلف بها في الأسرة إذا ثبت عدم كفاءته للقيام بذلك وإعطائها إلى قريب آخر مع إلزامه بدفع النفقة.

4- إيجاد صلة بين الضحايا وبين الجهات الاستشارية المتاحة، وذلك عن طريق إيجاد خطوط ساخنة لهذه الجهات يمكنها تقديم الاستشارات والمساعدة إذا لزم الأمر.

5- تصحيح المفهوم الخاطئ لمعنى القوامة: بأن نربي أولادنا على أساس أن كلًّا من الرجل والمرأة يكمِّل أحدهما الآخر؛ فأنوثة المرأة إنما هي بعاطفتها، وحنانها، ورقتها، كما أن رجولة الرجل إنما هي بإرادته، وصلابته، وقدرته على مواجهة الأحداث.

فالرجل يعاني من نقص في العاطفة والحنان والرقة، والمرأة -التي تمتلك فائضًا من ذلك- هي التي تعطيه العاطفة والحنان والرقة؛ ولهذا كانت الزوجة سكنًا: (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) (الروم:21).  

والمرأة تعاني من نقص في الإرادة والحزم والصلابة، والرجل -الذي يمتلك فائضًا من ذلك- هو الذي يمنحها الإرادة، والحزم، والصلابة؛ ولهذا كان الزوج قيّمًا على الزوجة كما يقول تبارك وتعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) (النساء:34)، فالتربية تكون إذًا على أساس أن المرأة والرجل يكمل أحدهما الآخر.

6- قيام مؤسسات المجتمع المدني المعنية بشئون الأسرة بمساعدة الزوجات والأطفال الذين تعرضوا للعنف الأسري، بدراسة وجمع ما أمكن من معلومات حول ديناميكية أسرهم، وكيفية مساعدتهم لحل مشكلاتهم.

7- قيام الدولة بتوفير أماكن آمنة للنساء والأطفال، يمكنهم الذهاب إليها للشعور بالأمان ولو لوقت يسير، ويمكن متابعتهم هناك من قِبَل المختصين.

8- العمل على تعليم النساء والأطفال على تطوير خطط للأمان لهم داخل المنزل وخارج المنزل.

9- التعاون مع الجهات المختصة برعاية الأسر والأطفال؛ لإيجاد حلول تتوافق مع كل أسرة على حدة.

10- تدريب الأطفال على ممارسة رياضات وألعاب غير عنيفة لتفريغ الشحنات السلبية التي تولدت لديهم نظير العنف الذي مورس عليهم.

11- تعليم وتعويد الأطفال على سلوكيات إيجابية بحيث نمكنهم من التحكم بموجات الغضب والمشاعر السلبية؛ لنساعدهم على تكوين علاقات مستقبلية آمنة وسليمة.

12- الحد تدريجيًّا من استخدام العقاب البدني للأطفال، ومحاولة الوصول إلى طرق أخرى للعقاب بدلًا من الضرب: كالحرمان من الأشياء المرغوبة للطفل على ألا تكون من الأشياء الأساسية.

13- العمل على منع الأطفال من مشاهدة العنف المعروض في الشاشات.

والخلاصة:

لا بد من تكاتف المجتمع والحكومات بسن القوانين التي تمنع وتعاقب على ممارسة العنف، ونشر التوعية الكافية من خلال وسائل الإعلام، والمؤسسات التعليمية والصحية عن أضرار العنف الأسري وطرق معالجته، وتوفير مراكز لتأهيل الأسر والأطفال المعرضين للعنف مسبقًا.

وختامًا:

لا شك أن العنف هو ضد الرفق، فالواجب علينا جميعًا: الرفق في تعاملنا وفي تصرفاتنا كلها مع مَن ولانا الله عليهم، فوسائل العنف أيًّا كانت لا شك أنها مرفوضة وتتنافى مع تعاليم الدين السمحة التي تحثنا على الرفق، وهنا نذكِّر بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ورد في صحيح مسلم(2594): “إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ”.

والله من وراء القصد.

 

التعليقات مغلقة.