fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

“السوشيال ميديا”… إدمان الشهرة والأموال أول طريق الضياع

473

“السوشيال ميديا”… إدمان الشهرة والأموال أول طريق الضياع

 

ففي الفترة الأخيرة، صعدت على الساحة ظاهرة تبدو غريبة على المجتمع المصري، مع انتشار تطبيقات الفيديو التي يستخدمها البعض كوسيلة للتحريض على الفسق والفجور؛ فلقد شهدت مصر انفتاحًا تكنولوجيًّا بشكلٍ كبيرٍ على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أثارت جدلًا واسعًا.

ومِن أبرزها: تطبيق التيك توك؛ السرطان الذي يسري في جسد الأمة، ويسعى كل الشباب والأطفال إلى الشهرة مِن خلاله، من خلال تقديم مقاطع فيديوهات ومحتويات لا نفع لها مِن أجل الشهرة والتربح؛ فقد أصبح أفضل وسيلة لجمع المال والحصول على الشهرة دون الحاجه إلى ”التعليم” الذي أصبح الطريق الصعب المعقد الذي يحتاج إلى سنواتٍ مِن أجل جلب النفع والربح!

أما مثل هذه المقاطع والفيديوهات على التيك توك، وغيره؛ فهي الطريق الأسهل والأرخص للحصول على الشهرة والربح، وهو الهدف الأسمى للشباب ليشعروا بنشوة النجاح المزيفة؛ نشوة تحتوي على سخرية ممَن هم أقل مالًا أو أقل في المستوى الاجتماعي أو الثقافي، أو نشوة تحتوي على تخفيف الملابس أو ارتداء الملابس الضيقة مِن قِبَل الفتيات من أجل الحصول على مشاهدات عالية، والإعجاب من ذوي النفوس الضعيفة من أجل التربح والشهرة بأي طريقةٍ كانت.

فهوس الليك والشير، وصل بالبعض إلى حدِّ الشطط الذي يقود إلى تصرفاتٍ تضع صاحبها تحت طائلة القانون، ففي أكثر مِن واقعةٍ تحولت إساءة توظيف السوشيال ميديا إلى جريمة مكتملة الأركان، وفي أحيانٍ كثيرةٍ يكون الأمر مقرونًا بسبق الإصرار والترصد.

فبينما ظل حلم البحث عن الشهرة مسيطرًا على عددٍ مِن مستخدمي السوشيال ميديا، ودافعًا رئيسيًّا لهم في إساءة استغلال وسائل التواصل الاجتماعي؛ فإننا يمكن أن نلحظ بوضوحٍ أن الأمر لم يعد قاصرًا على هذا الغرض خلال الآونة الأخيرة، حيث جعل البعض من السوشيال ميديا وسيلة للربح السريع، حت ظهرت دعوات لتغليظ عقوبة تلك الأفعال، وفرض رقابة على هذه التطبيقات، ولكن ماذا يقول القانون؟

العقوبة القانونية للتحريض على الفسق والفجور:

عقوبة التحريض على الفسق والفجور تصل للحبس 3 سنوات، طبقًا للمادة 11 لسنة 2011 من قانون العقوبات.

وتنص المادة 3 من قانون العقوبات على: “يُعاقَب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه كل مِن الآتي:

–  مَن حرَّض شخصًا ذَكَرًا كان أو أنثى على ارتكاب الفجور أو استدرجه أو أغواه؛ سواء عن الطريق المباشر، أو عبر أي وسيلة من وسائل الاتصال المباشرة أو الإلكترونية؛ بقصد ارتكاب الفجور أو الدعارة.

–  مَن حرَّض شخصًا -أو مجموعة أشخاص- ذكرًا كان أو أنثى على ارتكاب الفجور، أو استدرجه أو أغواه عبر أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، أو كوَّن مجموعات إلكترونية لهذا الهدف، أو شارك في هذه المجموعات بالفكر والتحريض بقصد ارتكاب الفجور أو الدعارة.

– كل مَن استخدم أو استدرج أو أغرى شخصًا -ذكرًا كان أو أنثى-، بقصد ارتكاب الفجور أو الدعارة، وذلك بالخداع أو بالقوة أو بالتهديد، أو بإساءة استعمال السلطة، أو غير ذلك من وسائل الإكراه.

– مَن استبقى بوسيلةٍ مِن هذه الوسائل شخصًا ذكرًا كان أو أنثى بغير رغبته في محل الفجور أو الدعارة.

– مَن حرَّض ذكرًا لم يتم من العمر الحادية والعشرين سنة ميلادية أو أنثى، أيًّا كان سنها على مغادرة البلاد، أو سهل له ذلك أو استخدمه أو صحبه معه خارجها للاشتغال بالفجور والدعارة.

– وإذا كان مَن وقعت عليه الجرائم السابقة لم يتم من العمر الحادية والعشرين سنة ميلادية كانت العقوبة مضاعفة، ما لم يكن هناك عقوبة أخرى في أي قانونٍ آخر أشد من ذلك(1).

هوس السوشيال ميديا:

هوس الليك والشير -كما ذكرنا- وصل بالبعض إلى حد الشطط الذي يقود إلى تصرفات تضع صاحبها تحت طائلة القانون، ففي أكثر من واقعة تحولت إساءة توظيف السوشيال ميديا إلى جريمة مكتملة الأركان، وفى أحيان كثيرة يكون الأمر مقرونًا بسبق الإصرار والترصد.

وواقعة فتاة التيك توك ربما تكون أحدث حلقة في هذا المسلسل، ولكن قطعًا لن تكون الأخيرة، حيث يتسبب هوس البحث عن أكبر قدرٍ مِن التفاعل واجتذاب أكبر عددٍ ممكن من المتابعين لدى البعض في الوقوع فيما لا تحمد عقباه.

هوس السوشيال جعل لدينا ملايين اليوتيوبر، ومليارات القنوات على اليوتيوب؛ فمَن سيكون المشاهد إذا تحول الجميع إلى مصدر لبث الفيديوهات؟!(2).

كثر الباحثون عن الشهرة والربح المادي عبر بث فيديوهات شخصية هابطة ليس لها أي محتوى تسوِق للانحدار الأخلاقي، ففي الوقت الذي كانت الدولة تتخذ قرارات لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد، انتشرت مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، وتضاعف استخدام “التيك توك”، وأصبح الجميع يتنافس لجذب المتابعين!

البُعد النفسي لهوس الشهرة وجني الأموال:

يحلل الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، هؤلاء الشباب الباحثين عن الشهرة بأي وسيلة، واصفًا إياهم بأنهم شخصيات “هيستيرية”، تبحث دائمًا عن الاهتمام والشهرة للفت الأنظار إليها، حيث إنهم يعانون مِن فقدان قيمة الذات، ويجدون السعادة في الحصول على مشاهدة من المتابعين بعيدًا عن الأخلاقيات، فأقصى طموحات الباحثين عن الشهرة هو أن يعرفهم الناس ويشيرون إليهم، بجانب الربح المادي الذين يحصلون عليه مقابل زيادة المشاهدات.

ويؤكد “فرويز” في تصريحات لـه: أن هؤلاء الشباب لديهم شعور بالدونية مع نقص العاطفة، عن طريق الظهور في فيديوهات بث مباشر من أي مكانٍ بحثًا عن “حمى الشهرة”، منوهًا أن الحل لوقف هذا الانحدار الأخلاقي هو توقف الجمهور عن التعليق على ما يبثه هؤلاء الشباب حتى ولو بالنقد؛ لأن مجرد المشاهدة تزيد مكاسبهم.

ويشير استشاري الطب النفسي: أن السوشيال ميديا باتت تسوق للسخافات والتفاهة وكل ما يهدر الأخلاق في المجتمع، والأزمة في هذه الأجيال الجديدة أنهم تربوا على أن “التفاهة” هي مصدر الشهرة، وهي لغة العصر، وكلما قاموا بعمل فيديوهات مبالغ فيها تزيد سرعة شهرتهم؛ لذلك لا بد من عمل رفع لثقافة المواطنين بصورة ممنهجة.

فيما يؤكد الدكتور محمد هاني استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية: أن الكثير من الشباب على هذا التطبيق همهم الوحيد هو جمع أكبر كم من المشاهدات بأي طريقة، فالهدف الأول لهم هو الشعور بنشوة الشهرة والنجاح المزيف؛ مما جعلهم كثيرًا ما يلجأون للسخرية والتنمر على بعض الأشخاص؛ خاصة أن التيك توك أفقد معنى الخصوصية لكثيرٍ مِن الشباب لما اقتحمه من غرف الفتيات والمراهقين.

ويوضح استشاري الصحة النفسية: أن هؤلاء الشباب يعانون من ضغط وكبت نفسي وشعور بالدونية، ويحاولون التخلص منه عبر هذا التطبيق، بغض النظر عن المحتوى الذي ربما قد يكون إباحيًّا أو مثيرًا، ويسوق للانحدار الأخلاقي؛ للسعي وراء الشهرة، وأن يتجاوز ما ينشرونه مئات المشاهدات، وبالتالي فإنهم يُعتبرون أشخاصًا غير أسوياء، ويجب إخضاعهم للعلاج النفسي(3).

مطالب برلمانية:

كان نوابٌ في البرلمان قد طالبوا بضرورة مراقبة أكثر صرامة للنساء على تطبيقات مشاركة الفيديو (تيك توك)، بعد اعتقال الناشطة الشهير على وسائل التواصل الاجتماعي: حنين حسام، والراقصة المشهورة سما المصري بتهمة الفجور والتحريض على الفسق.

النائب جون طلعت من بين العديد من السياسيين الذين قدَّموا شكوى، وقدَّم طلبًا إلى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي؛ لزيادة مراقبة التطبيقات التي يستخدمها الشباب لنشر مقاطع فيديو “غير أخلاقية”، و”غير ملائمة”.

وقال طلعت عبر صفحته الخاصة بموقع فيسبوك: “بسبب نقص المراقبة يستغل بعض الناس هذه التطبيقات بطريقةٍ تَنتهك الآداب العامة، والعادات والتقاليد المصرية”.

وفي عام  2018م اعتمدت مصر قانون الجرائم الإلكترونية الذي يمنح الحكومة السلطة الكاملة للرقابة على الإنترنت، وممارسة مراقبة الاتصالات.

ويسمح قانون تنظيم وسائل الإعلام أيضًا للسلطات بحظر حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الفردية(4).

الدور الإعلامي:

الأخطر من ذلك: ما دأبت عليه برامج تليفزيونية يقدمها كبار الإعلاميين باستضافة أصحاب “التريندات”؛ مما يزيد من غياب للقيمة الإعلامية والهبوط بالذوق العام، ويتسبب في نقل الأفكار الشاذة واللهجات والأنماط السلوكية على “السوشيال ميديا”، حيث يؤكد الدكتور محمد المرسي أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة: أن السبب في زيادة هؤلاء الباحثين عن الشهرة هي بعض الفضائيات.

الانحدار الأخلاقي:

يقول الدكتور محمد المرسي: إنه خلال الفترة الأخيرة تقوم بعض البرامج على الفضائيات السطحية باستضافة أصحاب التريندات، سعيًا منها للحصول على أعلى نسب مشاهدة دون النظر على قيمة المحتوى؛ مما يؤثِّر بالسلب على المجتمع، ويتسبب في نقل الأفكار الشاذة والمتطرفة والتي تخالف عادات وتقاليد المجتمع، مما يزيد حالة التغييب التي وصل إليها بعض الشباب التي أصبحت آمالهم هو الحصول على أعلى نسب مشاهدة، وهذا ما تسعى إليه بعض التطبيقات في غياب وعي الشباب.

وطالب أستاذ الإعلام، وسائل الإعلام التقليدية: كالصحف والقنوات بالتواجد بقوة على السوشيال ميديا للوصول للشباب وعمل صفحات قوية والتسويق لها جيدًا، كما يجب على كل المؤسسات العامة الدينية والتعليمية والثقافية والأمنية، أن تتواجد بصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومخاطبة الشباب بحيث لا تخلى الساحة للسطحية المنتشرة والتطبيقات التافهة(5).

دور الأسرة في المجتمع:

إن وجود الأسرة هو امتداد للحياة البشرية، وسر البقاء الإنساني، فكل إنسان يميل بفطرته إلى أن يَظْفَرَ ببيتٍ وزوجةٍ وذريةٍ… ولما كانت الأسرة اللبنة الأولى في بناء المجتمع؛ لكونها رابطة رفيعة المستوى محددة الغاية، فقد رعتها الأديان عمومًا؛ وإن كان الإسلام تميز بالرعاية الكبرى، قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ) [الأحزاب:72](1)؛ جاء ضمن معاني الأمانة: أمانة الأهل والأولاد، فيلزم الولي أن يأمر أهله وأولاده بالصلاة، ويحفظهم ويصونهم عن المحارم؛ لأنه مؤتمن ومسئول عما استرعاه الله.

ومسألة الاهتمام بالأسرة من القضايا العالمية التي زاد الحديث حولها؛ لا سيما في العصر الحاضر، وذلك على مستوى الدول والهيئات والمنظمات الدولية حيث تحاول كل منها إيجاد صبغة مِن عند نفسها، ومن ذلك: رفعها لشعارات الحريـة والمسـاواة، ودعواها إلى نبذ الأسرة التقليدية وتطوير بنائها، أو دعوى تحرير الأسرة المعاصرة من القيود وتعويضها بعلاقات شاذة محرمة!(6).

1_روسيا اليوم

2_اليوم السابع

3_الاهرام

4_مصر العربية

5_الاهرام

6_صيد الفوائد

التعليقات مغلقة.