fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الحكومة الإسرائيلية الجديدة: خلفيات تشكيلها واحتمالات استمرارها

148

الحكومة الإسرائيلية الجديدة: خلفيات تشكيلها واحتمالات استمرارها

 

فقد تمكَّن يائير لبيد زعيم حزب “يش عتيد”، ونفتالي بينيت زعيم حزب “يميناه” من التوافق على تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة تُطلِق على نفسها اسم: “حكومة التغيير”، أي: تغيير حكم بنيامين نتنياهو المستمر منذ عام 2009.

وتتشكل هذه الحكومة مِن أحزابٍ متباينة التوجهات السياسية، والأيديولوجية، والاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يضع الكثير من الأسئلة حول قدرة هذه الحكومة على الاستمرار في الحكم، وتنفيذ برامجها في ظلِّ تحديات داخلية وخارجية قد تواجهها.

ولا شك في أن حكومة التغيير، في حال أجيزت من الكنيست، تُمثِّل سابقةً تاريخية في المشهد السياسي الإسرائيلي.

مَن هو يائير لابيد؟

وُلِد لابيد في نوفمبر 1963 في تل أبيب حيث يتركز الدعم له، وكان والده تومي لابيد صحفيًّا ووزيرًا للعدل، وسياسيًّا معروفًا بتأييده الشديد للعلمانية ومعارضة الأحزاب السياسية الأرثوذكسية المتشددة في إسرائيل.

أما والدته شولاميت، فهي كاتبة روايات بوليسية شهيرة في إسرائيل، أصدرت سلسلة تحقيقات بطلتها صحفية.

وهو نجم تلفزيوني سابق، وكسب مصداقية متزايدة منذ بداياته في السياسة، إلى أن أصبح الخصم الرئيسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، واختاره الرئيس الإسرائيلي لتشكيل الحكومة.

عمل لابيد في البداية كمراسل عسكري أثناء خدمته في الجيش، وكتب مقالات لمجلة الجيش الإسرائيلي، وفي عام 1991 بدأ في كتابة عمود في صحيفة “معاريف” اليومية، ثم انتقل إلى صحيفة “يديعوت أحرونوت”، وخلال تلك الفترة اتجه إلى كتابة الأغاني والسيناريوهات، وكتب روايات بوليسية ومسلسلات تلفزيونية، وألف وأدَّى أغنيات، ولعب حتى أدوارًا في أفلام.

في عام 1994 انطلق في مجال العمل التلفزيوني كمقدم لبرنامج إخباري ثم قدَّم سلسلة من البرامج الحوارية، كما كتب عدة روايات، ثم أصبح مذيعًا رئيسيًّا لبرنامج “استوديو الجمعة” الإخباري في عام 2008.

في عام 2012، اعتزل لابيد العمل التلفزيوني لتأسيس حزبه: “يش عتيد” (هناك مستقبل)، وواجه اتهامات من منتقديه باستغلال شعبيته كمقدِّم برامج ناجح لكسب تأييد الطبقة الوسطى في دولة الاحتلال.

في الانتخابات الرابعة التي جَرَت في 23 مارس، وخلال أقل من عامين بسبب الفشل المتكرر في تشكيل حكومة إسرائيلية، حل حزبه في المرتبة الثانية حاصدًا 17 مقعدًا نيابيًّا.

بعدها حدد لابيد لنفسه “هدفًا معلنًا” هو طرد رئيس الوزراء الأطول عهدًا في تاريخ الدولة العبرية من منصبه بعد ما وجهت إليه التهمة في قضية فساد، وبذلك أصبح لابيد زعيم المعارضة.

وروى لابيد لوكالة فرانس برس قبل بضعة أشهر: “قلت لبيني جانتس، سبق وعملت مع نتنياهو هو لن يدعك تمسك بالمقود”.

وتابع لابيد الذي تولى وزارة المالية في إحدى حكومات نتنياهو بين 2013 و2014: “قال لي: جانتس، إننا نثق به، لقد تغيَّر. فأجبته: الرجل عمره 71 عاما، لن يتغير. وللأسف من أجل البلاد، كنت على حق”.

وتمكن لابيد الذي يقدِّم نفسه على أنه وطني وليبرالي وعلماني، مِن رصِّ صفوف الوسط، فيما يلقى تنديدًا في أوساط اليهود المتشددين.

وحين تظاهر آلاف الإسرائيليين كل أسبوع ضد نتانياهو أمام مقره الرسمي في شارع بلفور في القدس، رفض لابيد المشاركة بها، وفضَّل الابتعاد عن الأضواء، مؤكدًا أنه لا يسعى إلى المنصب، بل يريد التحالف مع أحزاب أخرى بهدف إزاحة “الملك نتنياهو” عن عرشه.

وبعد الانتخابات الأخيرة، كان قد عرض على زعيم اليمين المتطرف نفتالي بينيت تقاسمًا للسلطة يقوم على التناوب، غير أن عرضه قوبل بالرفض، في المرة الأولى، وهو ما تحقق بإعلانه اليوم الأربعاء تشكيل الحكومة، وإبلاغ الرئيس الإسرائيلي بها.

ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أن لابيد أيد “الفصل” بين إسرائيل والفلسطينيين، وفي الماضي أيد حل الدولتين رغم أنه لم يكرر هذا التأييد في حملته الانتخابية الأخيرة.

وتحدث لابيد بشكل “علني” عن معارضته أي تحالف سياسي مع الأحزاب العربية الإسرائيلية، ووصفها بأنها “تؤيد الإرهاب”، لكنه وَقَّع اتفاقًا معها في اللحظات الأخيرة ليتمكن من تشكيل ائتلافه الحكومي، بما يسمح بالحصول على أغلبية في “الكنيسيت”(5).

خلفيات تشكيل الحكومة:

بعد ظهور نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة في آذار/ مارس 2021، كلَّف الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، رئيس الحكومة القائم، نتنياهو، بتشكيل الحكومة بعد حصول حزب الليكود منفردًا على أكبر عددٍ مِن مقاعد الكنيست؛ أي: 30 مقعدًا من أصل 120.

حاول نتنياهو تشكيل حكومة ائتلافيه تستند إلى معسكر اليمين المؤيد له، والبالغ 52 مقعدًا، وإلى حزب “يمينا” وله 7 مقاعد، وإلى القائمة العربية الموحدة (الحركة الإسلامية الجنوبية)، ولها 4 مقاعد. وقد وافق كلٌّ مِن حزب يمينا والحركة الإسلامية الجنوبية على دخول ائتلاف نتنياهو الحكومي، لكن حزب “الصهيونية الدينية” الفاشي، التابع لمعسكر نتنياهو، وله سبعة أعضاء، رفض المشاركة في حكومة تستند إلى دعم قائمة عربية.

وقد مارس نتنياهو ضغوطًا كبيرة على قيادة هذا الحزب لتغيير موقفه، من ضمنها: ترتيب اجتماع بين رئيس القائمة العربية الموحدة، منصور عباس، والحاخام حاييم دروكمان، الأب الروحي للاستيطان اليهودي في الأراضي العربية المحتلة، وأحد أبرز الحاخامات المتطرفين، لحثه على إقناع قيادة حزب “الصهيونية الدينية” بقبول المشاركة في ائتلاف حكومي يقوده نتنياهو وتشارك هذه القائمة فيه، أو دعمه من خارج الائتلاف الحكومي؛ بيد أن دروكمان رفض ذلك، وأعلن تأييده موقف قيادة حزب “الصهيونية الدينية” الرافض للمشاركة في حكومة ائتلافيه تستند إلى دعم الحركة الإسلامية الجنوبية.

وعلى إثر فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة، انتقل تكليف تشكيل الحكومة إلى لبيد، زعيم حزب “يوجد مستقبل”، وهو الحزب الثاني في الكنيست، وله 17 مقعدًا. حاول نتنياهو بشتى الطرق إفشال مهمة لبيد، بما في ذلك تصعيد الاعتداءات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة؛ خاصة في الأقصى وفي الشيخ جَرَّاح.

ورغم أن الصواريخ الأولى التي أطلقتها حماس تضامنًا مع هبة الأقصى كانت تحذيرية، ولم تُلحق أضرارًا، وكان في إمكان إسرائيل استيعابها أو الرد عليها بما يتناسب معها، فقد انتهز نتنياهو الفرصة لشنّ حرب على قطاع غزة، استمرت أحد عشر يومًا.

تزامنًا مع ذلك، قام نتنياهو بشن حملة تحريض واسعة على حزب “يمينا” ورئيسه بنيت، وعلى مجمل معسكر التغيير المناوئ له، محاولًا نزع الشرعية عنه لتشكيل حكومة بديلة.

وفي هذا السياق، دعا نتنياهو أنصاره وقادة حاخامات التيار الصهيوني الديني للضغط على بنيت، وعلى أعضاء حزب “يمينا” في الكنيست، وأيضًا على جدعون ساعر، زعيم حزب “أمل جديد”، الذي انشق عن الليكود، لمنعهم من تشكيل حكومة بديلة من حكومة نتنياهو.

وقد أصدر غلاة الحاخامات، وفي مقدمتهم: الحاخام دروكمان، بيانًا أعلنوا فيه: أنه “يجب القيام بكل شيء”؛ لمنع تشكيل ائتلاف حكومي بديل! ووصل التحريض إلى درجة دفعت رئيس المخابرات الداخلية (الشاباك) ناداف أرغمان إلى إصدار بيان حذّر فيه من مخاطر التحريض السائد، ومن إمكانية حصول اغتيال سياسي بسببه، كما حصل عام 1995، حين اغتيل رئيس الوزراء الأسبق، إسحاق رابين، على يد أحد المتطرفين اليهود.

تشكيلة الحكومة وخطوطها العريضة:

حازت حكومة بنيت لبيد ثقة الكنيست، بحصولها على دعم 60 عضو كنيست ومعارضة 59 وامتناع عضو واحد عن التصويت، لتنهي بذلك حكم نتنياهو الذي استمر 12 عامًا، وتتألف هذه الحكومة من 27 وزيرًا وستة نواب وزراء، وهي ثالث أكبر حكومة في تاريخ إسرائيل من حيث عدد وزرائها ونواب الوزراء. وقد جاء هذا العدد الكبير للوزراء في الحكومة لإرضاء الأحزاب الكثيرة المشاركة في الائتلاف غير المتجانس الذي تستد إليه، ولتشجيع أعضاء الكنيست المعارضين لنتنياهو على دعمها بحصول قسم كبير منهم على مناصب وزارية.

يتشكل الائتلاف الحكومي من ثمانية أحزاب مختلفة سياسيًّا وأيديولوجيًّا؛ إذ ينتمي ثلاثة منها إلى اليمين المتطرف، واثنان إلى اليمين، وينتمي آخران إلى اليسار الصهيوني؛ إضافة إلى حزب عربي ذي توجه إسلامي. وهذه الأحزاب هي: حزب “يمينا” برئاسة بنيت رئيس الحكومة ووزير الاستيطان وله ثلاثة وزراء (بقي له ستة نواب في الكنيست بعد أن تركه أحد أعضاء الكنيست احتجاجًا على تشكيل بنيت للحكومة مع المعسكر المناوئ لنتنياهو)، وحزب “يوجد مستقبل” برئاسة لبيد، وهو رئيس الحكومة البديل ووزير الخارجية وله سبعة وزراء (17 نائبًا في الكنيست)، وحزب “أزرق أبيض” بقيادة بيني غانتس، وزير الأمن وله أربعة وزراء (8 نواب)، وحزب “العمل” برئاسة مراف ميخائيلي وزيرة المواصلات، وله ثلاثة وزراء (7 نواب)، وحزب “إسرائيل بيتنا” بقيادة أفيغدور ليبرمان، وزير المالية، وله ثلاثة وزراء (كان له سبعة نواب، ولكن أحدهم ترك الحزب في يوم تشكيل الحكومة لعدم تعيينه وزيرًا، فبقي له 6 نواب)، وحزب “أمل جديد” برئاسة جدعون ساعر، نائب رئيس الحكومة ووزير القضاء، وله أربعة وزراء (6 نواب)، وحزب “ميرتس” برئاسة نيتسان هوروفيتس، وزير الصحة، وله ثلاثة وزراء (6 نواب)، و”الحركة الإسلامية الجنوبية” بقيادة عباس (4 نواب) وله نائب وزير، وفق ما جاء في اتفاق الائتلاف.

وفيما يخص عملية اتخاذ القرارات في الحكومة، نصّ اتفاق الائتلاف بين لبيد وبنيت على أن الحكومة تتكون من كتلتين: الأولى: كتلة حزب “يمينا”، وتشمل حزب “أمل جديد”. والثانية: كتلة “يوجد مستقبل”، وتشمل أحزاب “أزرق أبيض”، و”العمل”، و”إسرائيل بيتنا”، و”ميرتس”.

واتفق على أنه في إمكان وزراء كل كتلة من هاتين الكتلتين تعطيل اتخاذ أي قرار في الحكومة في حال وجود إجماع بين وزراء الكتلة التي تريد تعطيل قرار الحكومة. ومنح ذلك قوة كبيرة لحزبي: “يمينا” و”أمل جديد” الممثليْن بسبعة وزراء فقط في الحكومة؛ إذ في إمكانهما تعطيل اتخاذ أي قرار في الحكومة لا يوافقان عليه.

 أما في ما يخص تشكيلة الكابينت السياسي – الأمني؛ فقد تقرر: أن يتشكل من 12 وزيرًا مناصفة بين الكتلتين، أي: أنه سيكون لحزبي: “يمينا” و”أمل جديد” ستة وزراء في الكابينت السياسي الأمني، بينما سيكون فيه للأحزاب الخمسة الباقية ستة وزراء[1].

وهذا يعني أن أحزاب اليمين المتطرف التي يمثلها 12 نائبًا فقط وضعت شروطًا قصوى للانضمام إلى تحالف ضد نتنياهو، وقد استجيب لها. فمن ناحية، يعدّ ذلك إنجازًا لليمين يمنع الحكومة من اتخاذ أي قرارات لا تروقه.

ومن ناحية أخرى: تبدو هذه الأحزاب في نظر غالبية اليمين الإسرائيلي بمنزلة خائنة للأمانة؛ لأنها تحالفت مع “اليسار والعرب”، في مقابل كل هذه المناصب، وتحقيق حلم بنيت بأن يصبح رئيس حكومة من دون حق، فقد حاز حزبه على 7 مقاعد فقط في الانتخابات البرلمانية.

يتضح من وثيقة الخطوط العريضة للحكومة، ومِن اتفاقات الائتلاف الحكومي: أن القضايا الاقتصادية والاجتماعية، والقضايا الداخلية الأخرى في المجتمع الإسرائيلي، تحتل الأولوية في برنامج الحكومة، لا سيما أن الاقتصاد الإسرائيلي لا يزال يعاني الأزمة الاقتصادية التي سببتها جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)؛ إلى جانب ذلك: أولت الخطوط العريضة للحكومة أيضًا أهمية لطابع الدولة؛ فقد أكَّدت أن الحكومة ستعمل على تعزيز أسس إسرائيل بصفتها دولة يهودية وديمقراطية، وأنها ستعزز وحدة الشعب اليهودي في العالم، وستشجع الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، وستزيد من التفاهم المتبادل بين إسرائيل ويهود العالم.

كما أكَّدت الخطوط العريضة: أن الحكومة الإسرائيلية ستستمر في تهويد مدينة القدس.

وجاء في اتفاقية تشكيل الائتلاف: أن الحكومة ستعمل من أجل “نمو وازدهار القدس عاصمة إسرائيل، وأنها ستستمر في البناء فيها بشكلٍ كبيرٍ من أجل تحويلها إلى ميتروبولين دينامي ومتجدد”؛ ما يعني تعزيز الاستيطان اليهودي في القدس الشرقية المحتلة.

وأكدت الخطوط العريضة أيضًا: أن الحكومة ستنقل جميع وزاراتها ووحداتها القطرية إلى القدس في أقرب وقت؛ وذلك من أجل تعزيز مكانتها بصفتها رمزًا وقاعدة للحكم.

ووفقًا لما جاء في اتفاق الائتلاف: ستقدم الحكومة دعمًا ماليًّا إضافيًّا لميزانية جامعة أريئيل المقامة في مستوطنة أريئيل في الضفة الغربية المحتلة، وأكَّد بنيت في خطابه أمام الكنيست لنيل ثقتها بحكومته، على أن الحكومة ستستمر في بناء المستوطنات وتعزيز الاستيطان اليهودي في كلِّ أنحاء أرض فلسطين.

ومِن الملاحظ: أن الخطوط العريضة للحكومة واتفاقات الائتلاف الحزبية تجاهلت القضية الفلسطينية تجاهلًا تامًّا، وفي الوقت نفسه أكَّد أحد بنود اتفاق الائتلاف المبرم بين حزبَي: “يوجد مستقبل” و”يمينا”، وجوب ضمان المصلحة الإسرائيلية في المنطقة (ج) في الضفة الغربية المحتلة.

ومن أجل تحقيق ذلك: فإن الحكومة الإسرائيلية ستقوم بتعزيز الإدارة المدنية في وزارة الأمن بوظائف وبإمكانات من أجل منع الفلسطينيين من البناء فيها، ومنعهم مِن تثبيت وجودهم على أراضيهم فيها. ومن هذه الناحية تحديدًا: قد تكون هذه الحكومة أسوأ من سابقتها؛ إذ تهدف إلى تكريس وضع حرمان السلطة الفلسطينية من أي صلاحيات في غالبية أراضي الضفة الغربية (المنطقة ج)، وتوسيع الاستيطان اليهودي فيها(1).

تحديات الحكومة الجديدة:

تواجه الحكومةُ الجديدة الكثيرَ من التحديات النابعة من تباين مركباتها من الناحية السياسية والاقتصادية والأيديولوجية.

ويمكن إدراج أهم التحديات كالآتي:

على المستوى الاقتصادي[5]: تأتي هذه الحكومة في ظل أزمة اقتصادية تعيشها إسرائيل جراء جائحة كورونا.

غير أن هذه التحدي لا يتوقف هنا فحسب، وإنما في تباين التوجهات الاقتصادية بين مركباتها، فأحزاب: يمينا، وأمل جديد، ويوجد مستقبل، يؤمنون بتوجهات اقتصادية ليبرالية نحو تقليص تدخل الدولة في الاقتصاد، وتقليص المساعدات الاجتماعية، في حين أن أحزاب اليسار مثل حزبي: ميرتس والعمل ينطلقان مِن تعزيز دولة الرفاه في إسرائيل، وتعميق تدخل الدولة في مدِّ يد العون إلى الطبقات الضعيفة.

وتجدر الإشارة إلى: أن رئيس المالية المرتقب في الحكومة الجديدة هو أفيغدور ليبرمان من حزب إسرائيل بيتنا، وهو حزب لديه ميّل إلى منح امتيازات اقتصادية لقواعده الاجتماعية من الروس اليهود، فضلًا عن توجهه الليبرالي في الاقتصاد.

على المستوى السياسي: وهو التحدي الكبير لهذه الحكومة، فأحزاب اليمين مثل يمينا وأمل جديد لا يعترفان بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، ويرفعان فكرة الضم ودعم الاستيطان في الضفة الغربية، ويرفضان حلَّ الدولتين، فالكثير من قواعدهما هم من المستوطنين أو اليمين الاستيطاني أو اليمين القومي الذي يؤمن بفكرة الضم ورفض حل الدولتين، في حين تنطلق باقي الأحزاب الأخرى (ما عدا إسرائيل بيتنا) من تسوية الصراع على أساس حل الدولتين، ويرفضون فكرة الضم، ويحصرون دعمهم في الكتل الاستيطانية الكبيرة، فضلًا عن حركة ميرتس التي تعتقد أن المستوطنات غير شرعية.

ربما تستطيع الحكومة تجاوز ذلك فيما يتعلق بتأجيل القرار حول تسوية سياسية أو الإعلان عن موقفها من ذلك لعدم راهنية الموضوع وطرحه، لكنها لن تستطيع تجاوز الخلافات بينها فيما يتعلق بدعم الاستيطان في الضفة الغربية، والسياسة تجاه قطاع غزة، ونشاط اليمين في القدس.

على المستوى الاجتماعي: تتشكل الحكومة من أحزاب علمانية ليبرالية، مثل: ميرتس والعمل وإسرائيل بيتنا من جهة، ومن جهة أخرى من أحزاب دينية، مثل: يمينا والقائمة العربية الموحدة، والأخيرة هي الذراع السياسية للحركة الإسلامية الجنوبية في إسرائيل.

وسوف تصطدم هذه الحكومة بتوجهات اجتماعية متناقضة تتعلق بسؤال الدين والدولة، ومكانة المؤسسات الدينية، والتعليم الديني ودعمه ماديًّا، حيث يتبنى ليبرمان موقفًا معاديًا للتيارات الدينية اليهودية، وهو ليس ذات الموقف لحزب يمينا أو أمل جديد؛ صحيح أن ليبرمان شارك في الماضي بحكومات فيها أحزاب دينية تحت رئاسة نتنياهو، غير أنه منذ العام 2019 رفع من شأن سؤال الدين والدولة، انسجامًا مع قواعده الانتخابية الروسية العلمانية، وكان أحد أسباب رفضه للانضمام لحكومة نتنياهو منذ العام 2019 هو وجود الأحزاب الدينية في الحكومة.

على مستوى نظام الحكم ومؤسساته: تتكون هذه الحكومة من توجهات محافظة وتوجهات ليبرالية فيما يتعلق بنظام الحكم ومؤسساته، لاسيّما الجهاز القضائي والمحكمة العليا.

يحمل حزب يمينا موقفًا متشددًا من الجهاز القضائي الإسرائيلي، وشأنه في ذلك شأن حزب أمل جديد، إذ يعتقدان أن الجهاز القضائي ليبرالي أكثر من اللازم، ويجب تدعيمه بتوجهات محافظة من خلال تعيين قضاة محافظين في المحكمة، وعندما كان أعضاء يمينا في حكومة نتنياهو، وبخاصة إييليت شاكيد، وزيرة القضاء السابقة، فقد عملت كثيرًا من أجل الحدّ من صلاحيات المحكمة العليا فيما يتعلق بتدخلها في قرارات الحكومة والكنيست (البرلمان)، وكان هذا العمل يسيرًا؛ لأنه انسجم مع توجه كل حكومات اليمين التي تسعى إلى إحداث تغيير جوهري في عمل المحكمة، لدرجة أن هذا الموضوع أصبح من الأهمية في فكر وعمل اليمين بما يوازي أهمية دعم الاستيطان.

وفي المقابل: هناك توجهات ليبرالية في الحكومة تعتقد أنه يجب الحفاظ على المحكمة العليا ومؤسسات فرض القانون (المستشار القضائي والنيابة العامة)، ودعمها وتعزيز دورها الدستوري في مراقبة السلطة التنفيذية والتشريعية، بما في ذلك إلغاء قرارات للحكومة أو قوانين للكنيست، وهو ما تعارضه الأحزاب اليمينية المشاركة في هذه الحكومة(2).

الحكومة الإسرائيلية الجديدة… تناقضات تنذر بعمر قصير:

النجاح في تشكيل الحكومة قد يمثِّل “نصرًا” للمعارضة الإسرائيلية في إسقاطها بنيامين نتنياهو، لكنه لا يبشر بعمر طويل لائتلاف ملغم بالتناقضات.

وهو ما يتحدث عنه الخبير في الشأن الإسرائيلي محمد السيد، لـ”العين الإخبارية”، قائلًا: إن حكومة المعارضة الإسرائيلية إن تمكنت من الفوز، فإنها لن تدوم طويلًا.

مضيفًا: “أعتقد أن هذه الحكومة في حال نجحت بالفعل بالحصول على ثقة الكنيست الإسرائيلي فإنها لن تدوم طويلًا، فاحتمالات بقائها تكاد تكون معدومة”.

في التفاصيل يوضِّح المحلل السياسي: أن “هذه الحكومة هي تشكيل غريب من أحزاب اليمين المتشدد والوسط واليسار، ولأول مرة بدعم من حزب عربي، وبالتالي فإنه لا انسجام فيما بين مكوناتها سياسيًّا.

وتابع السيد: “ما يجمع مكونات هذه الحكومة هو أمر واحد وهو إنهاء حقبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفيما عدا ذلك فإن هناك خلافات سياسية واسعة بين مركباتها”.

وتتشكل الحكومة من أحزاب اليمين: (يمينا) و(إسرائيل بيتنا) و(أمل جديد)، أما من الوسط فتضم (هناك مستقبل) و(العمل) و(أزرق أبيض)، ومن اليسار: حزب (ميرتس) وتدعمها جميعًا القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس.

في المقابل: يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، بكل الطرق الممكنة من أجل تعطيل تشكيل هذه الحكومة، بحسب السيد.

وفي الجزئية الأخيرة قال المحل السياسي: “لن يستسلم نتنياهو بسهولة، وسيحاول بكل الطرق الممكنة تعطيل تشكيل هذه الحكومة وقد ينجح في ذلك”.

ولم يحدد رئيس الكنيست حتى الآن موعدًا محددًا لعرض الحكومة على الكنيست، في وقت تضغط فيه أطراف الحكومة إلى عرضها، لكن القانون الإسرائيلي ينص على أن الحكومة يجب أن تعرض لتصويت الثقة خلال أسبوع من إبلاغ الكنيست بتشكيلها.

ومن المقرر أن يبلغ رئيس الكنيست ياريف ليفين، أعضاء الكنيست بنجاح المعارضة بتشكيل حكومة وهو ما يعني عرضها على الكنيست.

ولفت السيد إلى أن “نتنياهو وحزبه (الليكود) يحاولان تحريض النواب اليمينيين على عدم التصويت بالثقة لهذه الحكومة من أجل تعطيلها والذهاب مجددًا إلى انتخابات”.

مستطردا: “هناك دعوات لمظاهرات ليمينيين أمام منازل نواب من حزب (يمينا) من أجل إقناعهم بعدم منح الثقة لهذه الحكومة”.

وتحتاج الحكومة لأصوات كل أعضاء الأحزاب المشكلة لها؛ وإلا فإنها لن تحصل على الأصوات المطلوبة لنيل الثقة، وهي 61.

ووفق السيد، فإن نتنياهو لا يكتفي بذلك، بل يصعد أيضًا ميدانيًّا من خلال تمسك أحزاب اليمين بتنظيم مسيرة الأعلام الاستفزازية بالقدس الشرقية.

وهنا قال: “نتنياهو يصعِّد ميدانيًّا، وهو ما يهدد بعودة الأمور إلى المربع الأول، وهو ما سيمنع تشكيل الحكومة، فقد نجح خلال حرب غزة بدفع رئيس (يمينا) نفتالي بينيت إلى وقف المفاوضات حول تشكيل الحكومة، وبالتالي: فإنه قد يعيد الكرة مجددًا”.

وكان قادة الأحزاب المشكلة لحكومة المعارضة، بمَن فيهم وزير الدفاع بيني جانتس زعيم حزب (أزرق أبيض) قد حذروا من مغبة السماح بمسيرة الأعلام بالقدس الشرقية.

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية: إن البيت الأبيض أبلغ الحكومة الإسرائيلية قلقه من مغبة السماح بمسيرة الأعلام، وفي هذه المسيرة يمر آلاف من أنصار اليمين في شوارع القدس القديمة وهم يلوحون بالأعلام الإسرائيلية، ويرددون الشعارات المعادية للعرب.

أول رئيس وزراء بـ”كيباه:”

وفي حال تشكيل الحكومة الجديدة، ونيلها الثقة، فإنها ستكون أول حكومة إسرائيلية يرأسها إسرائيلي متدين.

وفي هذا السياق قال السيد: “لأول مرة سيترأس الحكومة شخص يعتمر القبعة الدينية (الكيباه) باعتباره أحد قادة الأحزاب الدينية علمًا بأنه سبق لبينيت أن ترأس مجلس المستوطنات بالضفة الغربية”.

ولهذا عاد المحلل السياسي للحديث عن نقطة التقاء أطراف الحكومة حول أمرين: الأول: وهو إجماعهم على إنهاء حقبة نتنياهو، والآخر هو: التعطش للحكم، فهي أحزاب في غالبيتها لم تكن في الحكم لفترة طويلة، وتريد أن تكسر احتكار نتنياهو للحكم.

غير أن السيد -ورغم ما سبق- شدد على أنه: “من السابق لأوانه الحكم بأن هذه الحكومة ستمر بالفعل بالكنيست، ويتوجب الانتظار لحين التصويت الفعلي لأن نتنياهو سيحاول كل ما في وسعه لمنعها”(3).

السيناريوهات المحتملة للحكومة الجديدة:

يمكن الإشارة إلى مجموعتين من السيناريوهات لهذه الحكومة: المجموعة الأولى: تتعلق بسيناريوهات التشكيل. والمجموعة الثانية: تتعلق بالسيناريوهات المحتملة ما بعد حصولها على ثقة الكنيست.

المجموعة الأولى: سيناريوهات التشكيل من عدمه:

  1. 1. سيناريو فشل إقرار الحكومة في الكنيست: ينطلق هذا السيناريو من عدم تمكُّن الحكومة الجديدة من الحصول على ثقة الكنيست (61 عضوًا)، وبذلك تفشل المبادرة لتشكيها. ويعتمد هذا السيناريو على إمكانية انسحاب أعضاء كنيست من حزب يمينا من الحكومة، وعدم تصويتهم على منح الثقة لها، أو إعلانهم عن تراجعهم عن دعمها؛ وذلك بسبب الضغوط التي تُمارس ضد أعضاء محددين في حزب يمينا من أجل ثَنيهم عن منح الثقة لها؛ لأنها تُعتبر “خيانةً” لليمين ومبادئه.

ومنذ بدء الجهود لتشكيل هذه الحكومة يمارس الليكود حملةً منهجية منظمة للضغط على أعضاء كنيست من حزب يمينا، بالادعاء أن نفتالي بينيت خدع جمهور اليمين؛ لأنه أعلن خلال حملته الانتخابية بأنه لن يدخل حكومة مع يائير لبيد، وبذلك فإن الأصوات التي حصل عليها كانت بناءً على هذا الوعد، وهو نكث هذا الوعد لجمهوره.

  1. 2. سيناريو منح الثقة للحكومة في الكنيست: ينطلق هذا السيناريو من تجاوز الحكومة الجديدة لأغلب خلافاتها وتعظيم المشترك فيما بينها، والحصول على ثقة الكنيست يوم التصويت عليها.

ويعتمد هذا السيناريو على العوامل التالية:

– بقاء ساعات قليلة قبل إقرار الحكومة في الكنيست، حيث لم يَعد في جعبة الليكود أمور يستطيع فعلها لإفشال منح الثقة إلى الحكومة.

– الاتفاق على معايير إدارة الحكومة بين رئيسي الحكومة بالتناوب، وتوقيع الاتفاقيات الائتلافية بين حزب يوجد مستقبل، وبين باقي الشركاء في الحكومة.

– دعم الإعلام الإسرائيلي بأغلب وسائله وصحافييه لهذه الحكومة.

– إفشال الحكومة الجديدة، يعني الذهاب إلى انتخابات جديدة، خامسة في عامين ونصف عام، وهو خيار يحمل مخاطرة للكثير من الشركاء في الحكومة الجديدة، لا سيما حزبيّ يمينا وأمل جديد.

– رهان كل طرف من مركبات الحكومة أن تُشكل هذه التجربة مكسبًا سياسيًّا له للمرحلة القادمة.

– الحكومة الجديدة هي الخيار الوحيد لمناهضي نتنياهو السياسيين والشخصيين لإنهاء حكمه، والدفع بديناميكيات داخل الليكود تُحدث شرخاً في مكانته.

المجموعة الثانية: سيناريوهات الاستمرار من عدمه:

  1. 1. سيناريو نجاح الحكومة واستمرارها لدورة كاملة: ينطلق هذا السيناريو من قدرة الحكومة الحالية على النجاح واستمرار عملها لمدة أربع سنوات، وتنفيذ اتفاق التناوب على رئاسة الحكومة، وذلك على الرغم من التباينات بين مركباتها.

ويعتمد هذا السيناريو على العوامل التالية:

– غياب خيارات سياسية أفضل أمام مركبات الحكومة، فتفكيك الحكومة يعني الذهاب إلى انتخابات جديدة ليست في صالح عدد من مركباتها.

– غياب أفق سياسي للقضية الفلسطينية، حيث إن بقاء الوضع القائم على المستوى الفلسطيني يمنح الحكومة إمكانية التركيز على المشترك فيما بينها وحلّ الخلافات الأخرى بصورة توافقية.

– بقاء نتنياهو في المشهد السياسي سوف يكون عاملًا مساعدًا لإبقاء الحكومة لدورة كاملة.

– التوصل إلى آلية مقبولة لحل الخلافات داخل الحكومة، وذلك كما جاء في اتفاقيات الائتلاف الحكومي التي حددَّت وضبطت آلية حل الخلافات بين المركبات المختلفة.

– مصلحة مركبات من الحكومة، لا سيما اليسار الصهيوني، للحفاظ على الحكومة بعد سنوات طويلة في المعارضة، ومصلحة مركبات أخرى لتحقيق مصالح سياسية لجمهور ناخبيها غير المتدينين من دون ضغط الأحزاب الدينية الأرثوذكسية.

– رهان المركبات في الحكومة على أن نجاحها سوف يُعيد تشكيل الخارطة السياسية الإسرائيلية من جديد، ويعزز قوتها الانتخابية.

  1. 2. سيناريو فشل الحكومة، وعدم تكملة مدّتها القانونية: ينطلق هذا السيناريو من أن الحكومة الحالية لن تُنهي مدتها القانونية (4 سنوات)، بل سوف تتفكك عاجلًا أو آجلًا.

ويعتمد هذا السيناريو على العوامل التالية:

– التناقضات الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية ستجعل الحكومة هشّة، ويسودها الخلاف في كل مسألة خلافية، ويهددها بالسقوط إذا انسحب منها أحد مركباتها.

– ضغط القواعد الاجتماعية على الحركات المشاركة في الحكومة لاتخاذ مواقف أيديولوجية أكثر صلابة في المسائل المهمة، مما يزعزع الحكومة.

– اعتماد الحكومة على ثماني قوائم يصل عدد أعضائها إلى 62 عضوًا، أي: أغلبية بسيطة مع عدد قوائم كبير؛ مما يجعل الحكومة عرضة للسقوط بخروج مركب واحد من مركباتها فقط. وهذا أيضًا يعني: أن الحكومة ستكون عرضة للابتزاز الدائم من مركباتها لتبعيتها لكل مركب ومركب.

– وجود معارضة يمينية صلبة بقيادة نتنياهو سوف تتحدى الحكومة من اليمين، وتزاود عليها بخطاب يميني، لاسيّما أن رئيس حكومتها الأول هو يميني أيديولوجي راديكالي (نفتالي بينيت).

– ظهور الموضوع الفلسطيني على السطح، وإطلاق مبادرة أمريكية قد تجعل الحكومة تتفكك؛ بسبب مواقفها المتناقضة جداً في هذا الموضوع.

السيناريوهات المرجحة:

تُرجح الورقة السيناريو الثاني من المجموعة الأولى؛ إذ إن مسألة تشكيل الحكومة ومنح الثقة لها من الكنيست وانطلاق عملها أصبح منتهيًا، وذلك بعد أسابيع من العمل الحثيث على تشكيلها، وبسبب الشراكة بين أغلب مركباتها على رفض الانضمام إلى حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو من جهة، أو الذهاب إلى انتخابات جديدة من جهة ثانية؛ ففي الحالتين سوف تخسر هذه المركبات في الانتخابات أو تتراجع قوتها، وهو ما سيحدث أيضًا إذا نجح نتنياهو في تشكيل حكومة، ليبقى خيار تشكيل الحكومة الجديدة هو الأقل ضررًا عليها.

كما ترجح الورقة السيناريو الثاني من المجموعة الثانية، أي: ألا تُتم الحكومةُ مدتَها القانونية، فستكون حكومة هشّة؛ بسبب تناقضاتها الداخلية من جهة، وبسبب تبعيتها لكل مركب من مركباتها. وسيظهر في الأفق الكثير من القضايا الخلافية العميقة التي لن تستطيع الحكومة التوصل إلى توافق عليها إلا إذا خسر طرف منها طروحاته السياسية والأيديولوجية، مثل: صعود الموضوع الفلسطيني.

وسينضم عامل الضغط الشعبي سواء من اليمين أو اليسار – الوسط على أحزابها؛ لعدم التنازل عن قضايا تُعتبر جوهرية في خطابها السياسي والأيديولوجي، والاجتماعي والاقتصادي، وسيخلق هذا الضغط الشعبي تخوفًا عند مركبات اليمين تحديدًا من أن يدفع تنازلها المستمر إلى خسارة شعبيتها الانتخابية في صفوف قواعدها الانتخابية.

تهديدات أمن إسرائيل:

بالنظر للمشهد الأمنى الإسرائيلى الراهن، يمكن ملاحظة أن حكومة بينيت تتولى مهامها في وقت تواجه فيه إسرائيل العديد من التحديات والتهديدات الأمنية داخليًّا وخارجيًّا، والتي أشار إليها بينيت خلال كلمته أمام الكنيسيت أثناء جلسة منح الثقة، والتي تتمثل في التالي:

1ــ تصاعد التطرف اليميني: تزايد الاحتقان والاستقطاب بين مكونات المجتمع الإسرائيلى على إثر الحراك السياسى المصاحب للإطاحة بحكومة نتنياهو، وتنامى التطرف إلى حدِّ توجيه تهديدات لأعضاء الحكومة الجديدة، وعلى رأسهم: بينيت من قِبَل بعض اليمينيين المتشددين، ناهيك عن التحديات الناجمة عن جائحة كورونا وتداعياتها.

2ــ إمكانية انهيار الهدنة: لا تزال التوترات الفلسطينية – الإسرائيلية قائمة على الرغم من انتهاء عملية حراس الأسوار، والتوصل لهدنة أوقفت القتال الممتد على مدار 11 يومًا؛ إذ إن هناك مخاوف جدية من تكرار المواجهات الفلسطينية – الإسرائيلية.

ووضح ذلك في مسيرة الأعلام في القدس التي صدق عليها نتنياهو قبل رحيله، وردت عليها حماس بإطلاق البالونات الحارقة، وهو ما أثار المخاوف من تجدد المواجهات بين الجانبين وانهيار الهدنة، كما أن استمرار سياسات الاستيطان الإسرائيلية قد تدفع لتجدد المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ويضاف إلى ما سبق: التحدي الأمني الذي تفرضه حماس، حيث تمكنت من الحفاظ على قوتها العسكرية، وتطويرها من خلال تهريب الأسلحة عبر الأنفاق، كما أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تعتبر حزب الله أحد أكبر مهددات الأمن الإسرائيلى بفعل تطويره للصواريخ دقيقة التوجيه بدعم إيراني.

3ــ مواجهة التحدي الإيراني: يمثِّل الاتفاق النووي الإيراني أحد أهم التحديات الخارجية التي تحتاج حكومة بينيت للتعامل معها في ظل المخاوف من توصل إدارة بايدن لاتفاق مع إيران لا يضمن فرض قيود مشددة على برنامجها لتخصيب اليورانيوم.

كما تستمر إيران فى توجيه سلسلة من العمليات التخريبية ضد إيران، والتي لا تقتصر على برنامجها النووي، مثل: حادث منشأة كرج في يونيو الماضى، ولكنها تطال كذلك مفاصل اقتصادية مهمة، مثل الهجوم السيبراني والذي تسبب فى تعطيل وإلغاء مئات رحلات القطارات.

ولا شك أن تواصل هذه العمليات ضد إيران يفرض على أجهزة الأمن الإسرائيلية التحسب لرد فعل انتقامى من جانب طهران.

كما تعتزم حكومة بينيت تطوير قدراتها للتحسب للتهديدات الإيرانية عبر تبني خطة يُطلق عليها «تنوفا» (Tenufa) باللغة العبرية، والتي تهدف إلى تخصيص استثمارات ضخمة لتطوير قدرات الجيش الإسرائيلي، عبر امتلاك طائرات مسيرة متوسطة المدى، وحيازة عدد ضخم من الصواريخ دقيقة التوجيه من الولايات المتحدة، فضلا عن شراء بطاريات إضافية للدفاع الجوي.

أبرز التحولات الأمنية:

يمكن القول: إن أبرز التحولات التى تشهدها المؤسسات الأمنية الإسرائيلية في الوقت الحالي تتمثل في التالي:

1ــ اختيار خليفة بن شبات: عيّن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو بن شابات فى عام 2017 كمستشار له للأمن القومي، وكرئيس لمجلس الأمن القومي؛ وذلك بسبب خبرته المهنية الواسعة، فهو لديه خلفية عسكرية واسعة بفعل انخراطه في الشاباك، ومشاركته فى العديد من القرارات والتحركات الأمنية المهمة، مثل: العمليات الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وكذلك دوره المحوري في إنجاح اتفاقات التطبيع مع العديد من الدول العربية.

وقد كان له دور رئيسي في العبور بإسرائيل من تحدي تغيير الحكومة بعد الإطاحة بنتنياهو، إذ وافق بن شبات على البقاء في منصبه حتى اختيار خليفة له. وتشير التقديرات إلى تطلع رئيس الحكومة نحو تكليف عاموس يادلين، مدير معهد دراسات الأمن القومي، ليكون الرئيس المقبل لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، بفعل ما يملكه من مسيرة وخبرات أمنية، غير أن البعض يشير إلى أنه توجهاته قد تكون أقل تشددًا من بينيت.

وشغل يادلين منصب رئيس لوحدة المخابرات العسكرية فى جيش الدفاع الإسرائيلي؛ بالإضافة لمنصب الملحق العسكرى لواشنطن، كما رُشح لمنصب وزير الدفاع قبل انتخابات عام 2015 من قبل حزب الاتحاد الصهيوني، وهو حزب ينتمي إلى يسار الوسط.

2ــ تفعيل مجلس الوزراء المصغر: كان مجلس الوزراء الأمني المصغر، خلال حكم نتنياهو، خاضعًا لهيمنته وتوجهاته، ولكن ثمة تحولات تطرأ على المشهد الأمني مع تصديق حكومة بينيت على إعادة تشكيل المجلس مع رحيل حكومة نتنياهو، فقد أعلن مكتب بينيت أن جلسات مجلس الوزراء الأمني الجديد ستعقد كل يوم أحد مباشرة بعد الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء.

ويمثِّل ذلك تغييرًا كبيرًا عما كان قائمًا في عهد نتنياهو الذي عمل على نقل ثقل عملية صنع القرار الأمني ليده ولدائرته المصغرة بدلًا من المجلس بأكمله.

ومن المقرر: أن يسهم بينيت في إعادة أهمية دور مجلس الوزراء المصغر بعد تهميشه النسبي في عهد نتنياهو، كما تجدر الإشارة إلى أن معظم الأعضاء الجدد للمجلس ينتمون إلى أحزاب مرتبطة باليمين ممَّن يتبنون وجهات نظر متشددة بشأن المسائل الأمنية، وذلك على عكس الأقلية اليسارية ذات التوجهات الأقل تشددًا.

وعمل نتنياهو على الاستخفاف بحكومة بينيت زاعمًا أنها تشكِّل خطرًا على أمن إسرائيل، وذلك بالنظر إلى تباين التوجهات السياسية لأعضائها، وقلة خبرتهم؛ خاصة ممَّن ينتمون إلى تيار اليسار، وهو ما يحد، وَفْقًا لنتنياهو مِن قدرة إسرائيل على اتخاذ قرارات حاسمة ورادعة بشأن الملف النووى الإيراني وملف الاستيطان، كما أنه قد يفرض قيودًا على العمليات السرية للموساد، خاصة تجاه إيران.

ويلاحظ أن: ادعاءات نتنياهو غير دقيقة، بالنظر إلى أنه يضم فى صفوفه 3 وزراء دفاع سابقين، منهم: نائب رئيس الوزراء، ووزير الأمن بينى غانتس الذى كان أيضًا رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلى، فضلًا عن بينيت، والذي خدم كقائد سرية في وحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي «سايريت ماتكال»، و«ماجلان»؛ بالإضافة إلى أفيجدور ليبرمان، والذي تولى منصب وزير الدفاع في السابق.

وفي الختام: فإنه من المرجح أن تواصل الحكومة الإسرائيلية الجديدة إعطاء الأولوية لإدارة الملفات الأمنية الرئيسية، خاصة الملفين الفلسطيني والإيراني، وأن تواصل تفعيل دور المؤسسات الأمنية، لاسيما مجلس الأمن القومي، ومجلس الوزراء المصغر للتعامل مع هذه التحديات.

ومن غير المتوقع حدوث تحولات جذرية في توجهات إسرائيل؛ نظرًا لأن الغلبة والهيمنة لا تزال لليمين الإسرائيلي المنشق بالأساس عن صفوف نتنياهو، وينتمي لتوجهاته وسياساته(6).

1_ المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية/ الحكومة الإسرائيلية الجديدة: خلفيات تشكيلها واحتمالات استمرارها

2_ مركز الإمارات للسياسات/ حكومة التغيير في إسرائيل: توجهاتها وسيناريوهات المستقبل

3_ العين الاخبارية/ داوود عودة/ الحكومة الإسرائيلية الجديدة.. تناقضات تنذر بعمر قصير

4_ مركز الإمارات للسياسات/ حكومة التغيير في إسرائيل: توجهاتها وسيناريوهات المستقبل

5_ مصراوي/ محمد صفوت/ مَن هو يائير لابيد الذي شكَّل الحكومة الإسرائيلية الجديدة؟

6_ مركز المستقبل للأبحاث والدراسات/ التحولات في دوائر مؤسسات الأمن القومي الإسرائيلي

التعليقات مغلقة.