fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

أغاني المهرجانات

746

أغاني المهرجانات

 

فقد انتشر نوعٌ جديدٌ وغريبٌ في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة، يعتمد على غناء الكلمات مع إيقاعٍ سريعٍ، وقد لاقى هذا النوع مِن الغناء قاعدة شعبية كبيرة؛ خاصة في أوساط الشباب، واعتبرها بعض المحللين نوعًا من الفن الشعبي، والذي يخلط بين موسيقى: (الراب) و(التكنو) بمزيجٍ شعبيٍ مصريٍ!

بينما رفض هذا النوع فريقٌ آخر من المحللين كنوعٍ من الفن الشعبي، وتهكموا عليه واعتبروه شيئًا مبتذلًا، بل وخطرًا يهدد الذوق العام!

وتعود التسمية بكلمة: “مهرجان” إلى أن تلك النوعية من الأغاني تعتمد على الإيقاع السريع، والرقص الاستعراضي الشعبي.

وبدايات هذه النوعية من الأغاني كانت في الأحياء الشعبية الفقيرة في القاهرة، حيث ظهرت في الأفراح والمناسبات العامة كاستجابة للحاجة إلى إحياء حفلات رخيصة التكلفة، وبالرغم من تلك البدايات؛ إلا أن أغاني “المهرجانات” امتدت خلال السنوات الأخيرة إلى مناسبات الطبقات الغنية، واحتفالات الفنادق الشهيرة، بل وصلت إلى العالمية، حيث أصبح مغنّوها لهم حفلاتهم في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

سبب انتشار تلك الأغاني يرجع بالأساس إلى أن إنتاجها غير مكلف، ولا يحتاج إلى أستوديوهات، ويعتمد على برامج يتم تحميلها مجانًا من الإنترنت؛ الذي لعب دورًا بارزًا في تسهيل انتشارها، وخاصة موقع “يوتيوب”، “ساوند كلود” حيث أصبح هناك لهذه الأغاني نسب مشاهدة عالية تصل إلى ملايين المشاهدات!

 “بنت الجيران” -على سبيل المثال-؛ الأغنية التي تمكنت من حصد مشاهدات وصلت إلى أكثر من 214 مليون مشاهدة عبر موقع “يوتيوب”، ووصل عدد المشتركين في القناة الخاصة بمغنيها “حسن شاكوش” إلى أكثر من 3 مليون مشترك، وحصل على الدرع الخاصة بالموقع، بل وباتت أغاني المهرجانات منتشرة في سيارات الأجرة والتلفزيون والراديو، وحتى الأفلام السينمائية، حيث اعتمد المنتجون مؤخرًا عليها في عددٍ كبيرٍ من الأفلام المصرية كنوع من الدعاية للفيلم حتى أصبحت سمة مشتركة بين معظم تلك الأفلام.

الظروف السياسية والاقتصادية التي أدت إلى ظهور أغاني المهرجانات الشعبية:

بالنظر إلى هذه الظاهرة؛ نجد أنها لم تظهر في يوم وليلة، ولكنها ظهرت نتيجة للعديد من التراكمات التي وجدت منذ سنوات، وبالتالي: من الخطأ أن ننظر إليها في شكلها الاخير وفقط، ولكن يجب أن نتتبع هذه الظاهرة وأسبابها من البدايات حتى نصل إلى نتيجة موضوعية ودقيقة.

ففي أواخر حكم مبارك كانت ظروف المجتمع المصري غاية في السوء؛ حيث كاد المجتمع أن ينهار وينفجر من كثرة المشاكل التي يعاني منها المواطنون المصريون حيث ازدادت معدلات البطالة، وأصبح الشباب يعانون من إحباطٍ نفسيٍ؛ فهم يحملون مؤهلات عالية، عانوا أشد المعاناة من أجل الحصول عليها، ولا يجدون مجالًا للعمل في تخصصهم، كما ازدادت الفجوة بين الطبقات حيث ازداد الاغنياء غنى وازداد الفقراء فقرًا، واختفت الطبقة الوسطى التي هي أساس استقرار المجتمع؛ مما أثر على العلاقة بين الطبقات الاجتماعية؛ مما أدَّى إلى ظهور الغضب والعنف بينهم، وبدأت القيم الاجتماعية توشك على التغير الى الأسوأ.

وازدادت أيضًا معدلات الفساد، ففي تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2004، كانت النتائج تشير إلى أن 12 مليون مصري بلا مأوى؛ مما جعلهم يعيشون في المقابر والعشش والجراجات، كما ازدادت معدلات العنوسة، فالشباب لم يكن لديهم قدرة للحصول على فرص عمل تعينهم على تكوين حياه كريمة مستقرة؛ الأمر الذي أدى في النهاية إلى ازدياد معدلات الجريمة وازدادت الأعمال غير المشروعة، بل وصنفت منظمة الصحة العالمية مصر في المركز الثالث كدولة تنتشر فيها تجارة الأعضاء البشرية، وكل ذلك بسبب البطالة وإحباط الشباب غير القادر على العمل وممارسة حياته الطبيعية.

بالإضافة إلى ما سبق: فقد كان هناك أيضًا تضييق من الناحية السياسية حيث كان التزوير في الانتخابات ولم يكن هناك برلمان حر ممثلًا للمواطنين ومعبرًا عن مصالحهم قادر على توصيل أصواتهم إلى المسئولين، بل ومعظم النواب يسعون وراء مصالحهم الشخصية، ونسوا وظيفتهم الأساسية؛ مما أدى إلى ازدياد إحباط الشعب من ظروف مجتمعه، فلم يكن هناك أي مؤسسة قادرة على تلبية مطالبهم، وتفشى الفساد في كل مؤسسات الدولة.

ولكن الهزيمة الحقيقية التي شهدها المجتمع المصري هو ظهور العشوائيات، فأصبح هناك تردٍّ في الحياة الاجتماعية، وبالتالي: كنتيجة طبيعية أصبح هناك تردٍّ في الأخلاقيات، فظهر أطفال يميلون إلى الضياع من أجل لقمة العيش، وأحيانًا هؤلاء الأطفال يميلون إلى الضياع بتشجيع أهاليهم لهم حيث إن أهالي هؤلاء الأطفال وجدوا أن هذه هي الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة.

وبالتالي كانت هذه البيئة سببًا في ظهور أغاني المهرجانات الشعبية كانعكاس للواقع، وكتعبير عما يعاني منه أهل هذه المناطق، وهذه هي البيئة التي نشأ فيها مغنو أغاني المهرجانات الشعبية.

أثر التحولات السياسية للمجتمع المصري على ظهور أغاني المهرجانات الشعبية بعد ثورة 25 يناير:

من خلال المؤتمر السنوي للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عام 2015م، قامت الباحثة: عصمت محمد يوسف محمد إبراهيم (من المركز الديمقراطي العربي) بإجراء استبيان على عينة من المواطنين كان رأيهم بالأغلبية أن ثورة 25 يناير كانت من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ظهور أغاني المهرجانات الشعبية؛ حيث اعتبرها البعض ثورة في كل شيء، وليست ثورة سياسية وفقط، فعلى الرغم من أن البعض الذين أغلبهم من كبار السن يروا أن أغاني المهرجانات الشعبية هي “أغاني سوقية”؛ إلا أن في مقابل ذلك يرى البعض الآخر أن أغاني المهرجانات الشعبية هي تعبير عن تمرد المصريين، وأن من حق الفئة التي خرجت منها أغاني المهرجانات الشعبية أن تعبِّر عن رأيها، وتعبر عن ثقافتها بالطريقة التي تحلو لها، وبالتالي فهي تعبير عن الحرية، وتعبير عن حق كل شخص أن يكون صوته مسموعًا!  

وبالتالي انتشرت أغاني المهرجانات بعد الثورة انتشارًا كبيرًا، وساهمت الثقافة السياسية للمصريين في هذه الفترة في تقبلهم لهذا النوع من الأغاني حيث كانت مطالبهم تقريبًا واحدة، وعبرت عن نفس الحالة التي يعيشها المصريين في تلك الفترة، وبالتالي أثارت فضول الأذهان حينها؛ إلا أن هناك أراء أخرى ترى أن ثورة 25 يناير قد أظهرت أفضل ما في المصريين، وأظهرت أيضًا أسوأ ما في المصريين، وأن أغاني المهرجانات الشعبية هي أسوأ ما أخرجته الثورة، حيث أن أغاني المهرجانات الشعبية لم تعبر عن تمرد المصريين، ولكن عبرت عن العنف.

وبالتالي تشوهت الثقافة لدى الاطفال والمراهقين؛ فبدلًا من تعويدهم على استخدام السلاح للدفاع عن الوطن ضد الأعداء أصبحوا يستخدمون السلاح في الرقص، ومن الممكن أن يحدث شجار ما داخل فرح شعبي ويستخدمون فيه السلاح ضد بعضهم البعض حيث إنه أصبح الأمر سهلًا ميسورًا؛ وبالتالي فهذا خطر كبير للغاية عليهم!

واتفق الكثيرون من خلال الاستبيان الذى تم إجراؤه أن عدم الاستقرار السياسي كان السبب في ظهور أغاني المهرجانات الشعبية، كما أن الثقافة التي كانت سائدة هي ثقافة التهميش لفئاتٍ كثيرةٍ من المواطنين من جهة تهميشهم في حقهم في التعليم، وفي الصحة، وفي عيش حياة طبيعية مثل باقي طبقات المجتمع؛ مما جعلهم يخترعون هذا النوع من الأغاني من أجل أن يُسمع صوتهم، ويتأثر بهم الكثيرون؛ فهؤلاء لم يتعلموا ثقافة سياسية جيدة، بل عبروا بكل ما يستطيعون وبلغتهم البسيطة عما يشعرون به وعما يرغبون في تحقيقه في وطنهم الذي من حقهم أن يبنوا فيه كباقي الطبقات، فقد عانت الطبقة الفقيرة والوسطى من كثير من العقبات والتي عبر عنها مطربو أغاني المهرجانات الشعبية.

الآثار السلبية لأغاني المهرجانات الشعبية:

أثار الفيديو الذي نشر على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا لمجموعة من الطالبات بإحدى المدارس يتراقصن على أنغام أغنية “بنت الجيران”، وكذا فيديو لأطفال صغار يتراقصون باستخدام الخناجر والمطاوي على أنغام أغنية “مفيش صاحب بيتصاحب”، وكذلك فيديو الطفلة آيات التي ترقص بالسنجة، ردود أفعال غاضبة.

ومن جانبها أشارت الدكتورة هالة حماد، استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين والعلاج الأسرى إلى أن قيام الأطفال الصغار أو الشباب بالرقص على الأغاني باستخدام الأسلحة البيضاء يعتبر سلوكًا مرفوضًا تمامًا؛ نظرًا لأن السلاح مسئولية لحماية الوطن، وليس أداة للعب والمزاح والرقص، لافتة إلى أن أغلب هؤلاء الأطفال لا يدركون ما يقومون به، وهو أمر خطير له انعكاسات سلبية عليهم في المستقبل، ويسهل اقتناعهم بفكرة حمل الأسلحة، بينما يرفض الأهالي في الغرب مجرد فكرة شراء المسدسات اللعبة لأطفالهم.

وأوضحت د. هالة: أن هذا النوع من الفن سلاح قوي وفعال في تدمير الشعوب، لافتة إلى أنه في السنوات الأخيرة حدث تدهور في الفن والأغنية والأفلام المصرية، فأصبحت تعتمد على إحياء الغرائز مثل الجنس والعنف، تحت مسمى: “الجمهور عايز كده”، وهذا غير مقبول، فقد أصبح الربح السريع هو الهدف الأساسي لإنتاج الأفلام!

كما تؤكد الأبحاث تضرر الأطفال بالأفلام والأغاني الهابطة.

وأكدت د. هالة: أن ما يشاهده الأطفال له تأثير ملحوظ على سلوكهم، حيث أثبتت إحدى الدراسات أنه حال تعريض مجموعة من الأطفال لمشاهد العنف ولعب الألعاب الإلكترونية العنيفة، انعكس ذلك على شخصيتهم، وظهر العنف على سلوكهم وطريقة لعبهم، والطفل يتأثر بما يشاهده، وأكدت أنه يجب أن ندافع عن جيلنا الجديد ضد محاولات تدميره أخلاقيًّا وتسطيحه فكريًّا باستخدام الأغاني والأفلام الهابطة.

وطالبت استشاري الطب النفسي أجهزة الرقابة في الدولة بمنع عرض الأفلام والأغاني التي تدمر شبابنا وتدعو للعنف والرذيلة، وكما دعت الدولة لإنتاج أفلام مثل: الناصر صلاح الدين، وغيرها من الأفلام الهادفة، التي تسهم في بناء عقول الجيل الجديد، ويكون ذلك مثالًا يحتذي به بقية المنتجين في مصر.

وكما أوصت الأهالي بمنع الأطفال والمراهقين من الذهاب للسينمات حتى لا يشاهدون الأغاني الهابطة والمبتذلة والتي تحتوي على مشاهد عنف؛ نظرًا لأنها تساهم في تدمير الأجيال القادمة وتسطح العقول وتشجع على العنف.

وأضافت الدكتورة هالة حماد: أن الإعلام في مصر يجب أن تكون له رسالة سامية، بحيث تسهم في بناء مجتمع مثقف على خلق، ويرتقي بطبقات الشعب لمستوى فكري أكثر رقيًّا.

وأخيرًا نقول:

هل نفيق قبل أن تقع الكارثة وقبل فوات الأوان؟!

التعليقات مغلقة.