fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

اتفاق التعاون الشامل بين الصين وإيران!

110

اتفاق التعاون الشامل بين الصين وإيران!

 

ففي 21 يونيو 2020 أعلنت الحكومة الإيرانية موافقتها على مسودة “اتفاق التعاون الشامل” لمدة 25 عامًا مع الصين، كجزءٍ من “الشراكة الإستراتيجية الشاملة” الموقع بينهما في مارس 2016.

وفي 27 مارس 2021 تم توقيع الاتفاق رسميًّا من جانب وزيري خارجية البلدين، وأثار الاتفاق جدلًا كبيرًا، بدءًا من الدوافع التي تقف وراءه، ومرورًا بالمكاسب المتوقعة لطرفيه، والتداعيات المحتملة التي يمكن أن يرتبها الاتفاق بالنسبة لإقليم الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي، وانتهاء بمستقبل الاتفاق ومدى قدرته على الاستمرار في حالة تغير الظروف الإقليمية والدولية الراهنة.

وهناك مصالح عدة تقف وراء قرار الصين وإيران توقيع الاتفاق في هذا التوقيت، بعض هذه المصالح تعود إلى ما قبل توقيع الاتفاق، لكن بعض المصالح الأخرى ترتبط بتوقيت توقيع الاتفاق؛ الأمر الذي يثير تساؤلات مهمة حول مدى قدرة الاتفاق على البقاء والاستمرار في حالة تغير السياق الدولي والإقليمي الراهن.

ولا يرتبط مستقبل الاتفاق بطبيعة المصالح التي تقف وراءه فقط، لكنه يرتبط أيضًا بطبيعة الاتفاق، أو بالأحرى نظرة طرفي الاتفاق إلى الأهداف الحقيقية منه، وقدرة الصين تحديدًا على الوفاء بالوعود المرتبطة بالاتفاق للجانب الإيراني، فضلًا عن طبيعة النخبة الحاكمة في إيران وموقفها من تقييم مكاسب وتكاليف الاتفاق.

كيف تنظر الصين إلى إيران؟

يمثِّل الشرق الأوسط أهمية كبيرة للصين بسبب طلبها الهائل والمتزايد على النفط من الشرق الأوسط لدعم الصناعات التحويلية بها، وخلال الحقبة الماوية، كانت المصالح الإقليمية للصين مدفوعة بموقف أيديولوجي قوي يهدف إلى مواجهة الولايات المتحدة ووكلائها الإقليميين وعلى الأخص إسرائيل، فيُلاحظ: أن الصين دعمت مصر في حقبة عبد الناصر وفلسطين في حقبة عرفات، على سبيل المثال.

 ولكن بعد الإصلاحات الاقتصادية في الصين عام 1979، أصبحت سياستها الخارجية أقل أيديولوجية، حيث انتقلت من “دعم العدالة في العالم الثالث” إلى “أن تصبح صديقًا لكل لاعب إقليمي”؛ وعليه: تتمثل الإستراتيجية الأساسية للصين في الشرق الأوسط في التأكيد على التعاون الاقتصادي مع تجنب التحالفات السياسية والحفاظ على علاقة متوازنة مع جميع الجهات الفاعلة في المنطقة مع تجنب انتقاء الأطراف في النزاعات الإقليمية.

وفي عهد الرئيس الصيني “شي جين بينغ”، لا تزال الإستراتيجية الأساسية للصين في الشرق الأوسط كما هي، على الرغم من الإعلان عن مبادرة الحزام والطريق والتحديات التي فرضها النفوذ الصيني على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

 وقد أكَّد الرئيس “شي جين بينغ” اتباعه هذه الإستراتيجية في خطابه الشهير في مقر جامعة الدول العربية في عام 2016، من خلال تبنيه لمبدأ “Three Noes”، والذي ينص على أن تتعهد الصين بعدم البحث عن أي وكلاء، وعدم السعي خلف أي مجال من مجالات المصالح، وعدم محاولة ملء أي فراغ في السلطة في الشرق الأوسط، وانطلاقًا من هذه الإستراتيجية، أصبحت الصين أكبر مستثمر أجنبي في الشرق الأوسط في عام 2016 مع الحرص الشديد على عدم الانجرار إلى أي صراع بين الجهات الفاعلة المحلية(1).

مضمون الاتفاق:

لم تُعلِن الحكومة الإيرانية حتى الآن عن مضمون الاتفاق بشكل تفصيلي، لكن العديد من التقارير الدولية والإيرانية؛ بالإضافة إلى مسودة تم تسريبها باللغة الفارسية، تتحدث عن امتيازات ضخمة ستحصل عليها الصين بموجب الاتفاق الذي يغطي قائمة واسعة من المجالات.

ووَفْقًا لهذه التسريبات، يتضمن الاتفاق استثمار الصين 400 مليار دولار أمريكي داخل مختلف القطاعات الاقتصادية الإيرانية خلال مدة الاتفاق، أي بمتوسط 16 بليون دولار سنويًّا؛ سيتم استثمار حوالي 280 مليار دولار منها في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية، وسيتم ضخ جزء كبير من هذه الاستثمارات خلال السنوات الخمس الأولى.

أما قطاع البنية التحتية فسيحظى بحوالي 120 مليار دولار، كما يشمل الاتفاق تسهيل نفاذ الاستثمارات الصينية إلى قطاع التعدين بسبب عدم توفر التكنولوجيات اللازمة للحكومة الإيرانية لاستغلال المناجم العميقة.

وبموجب هذه التسريبات أيضًا، ستتمتع الصين بالحصول على الواردات النفطية من إيران بأسعار مُنخفِضة عن أسعار السوق، وإمكانية الدفع الآجل حتى عامين، إلى جانب إمكانية الدفع بالعملة المحلية الصينية (اليوان)، وهي مسألة تنطوي على مكاسب مشتركة للطرفين؛ إذ تزيد من فرص تحوُّل العملة المحلية الصينية إلى عملة دولية، وأداة للوفاء وتسوية المعاملات الدولية، كما تُجنِّب إيران الاعتماد على الدولار الأمريكي.

يشمل الاتفاق أيضًا التنمية المشتركة للصناعات العسكرية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والمناورات العسكرية المشتركة. وذهب بعض التقارير الإعلامية الإيرانية إلى أن الحكومة الإيرانية تنازلت عن جزيرة “كيش” للصين، لكن بصرف النظر عن دقة هذه التقارير، فإن الاتفاق يمنح الصين -في الأغلب- فرصة كبيرة للنفاذ إلى الموانئ الإيرانية.

ووفقًا للعديد من التقارير، يسمح الاتفاق بوجود 5000 عنصر أمني صيني لحماية المنشآت والمشروعات الصينية داخل إيران، وإن كان بعض المصادر الصينية قد نفت ذلك، وبعيدًا عن مضمون المسودة، ليس من المستبعد أن تكون هناك بعض البنود السرية التي لن يتم الإعلان عنها(2).

منافع متبادلة:

الاتفاق الصيني – الإيراني سوف يحقق منافع جمة للطرفين حال نجاحهما في تطبيقه على أرض الواقع، فالإيرانيون سوف يستفيدون من الاتفاق في الانفكاك من العقوبات والعزلة الدولية، مما أدَّى إلى تدهور شديد في أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية.

كذلك، يعتقد الإيرانيون: أن الشراكة مع بكين سوف تمنحهم التكنولوجيا العصرية المدنية والعسكرية؛ مما سوف يجعل من إيران قوة إقليمية متفوقة يصعب ابتلاعها أو إخضاعها.

أما الصينيون فسوف يفتح لهم الاتفاق طريقًا واسعًا لتعزيز نفوذهم التجاري والعسكري في منطقة الشرق الأوسط، فإلى جانب تأمين الحصول على النفط الإيراني بأسعار متدنية للغاية وفتح السوق الإيرانية أمام الاستثمارات والمنتجات الصينية، أشارت بعض التسريبات إلى أن هذا الاتفاق نص على تعميق التعاون العسكري بين بكين وطهران، بما في ذلك التدريبات المشتركة، والبحوث المشتركة، وتطوير الأسلحة والصواريخ، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، كما أشارت هذه التسريبات أيضًا إلى أن الصين ستشيد قاعدة عسكرية، قوامها خمسة آلاف جندي، في جزيرة كيش الواقعة في الخليج العربي، تمكنها هي وإيران من لعب دور مهم في التحكم بالممرات البحرية في المنطقة، وفي التصدي لنفوذ واشنطن وحلفائها في منطقة الخليج العربي.

وتتسق هذه التسريبات إلى حدٍّ كبيرٍ مع تقديرات عددٍ من دوائر صنع القرار الصيني التي ترى أن إيران هي القوة الآسيوية الوحيدة عسكريًّا وجغرافيًّا الصالحة لمساعدة الصين في إيجاد توازن مع الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، والقيام بدور الضامن الأمني لمصالح الصين الاقتصادية والحيوية(3).

المصالح الصينية:

هناك أربع مصالح أساسية للصين لدى إيران، هي:

تأمين تدفقات النفط: فرغم أن الصين تعتمد على دول مجلس التعاون الخليجي كمصادر مهمة لهذه التدفقات، لكن جزء من إستراتيجية تأمين الطاقة الصينية تقتضي تنويع هذه المصادر، ولا يقتصر ذلك على إقليم الشرق الأوسط، حيث اتجهت الصين إلى فتح أسواق واردات جديدة، مثل: روسيا، وآسيا الوسطى، وميانمار، وإفريقيا؛ وبالإضافة إلى تنويع هذه المصادر والحفاظ على استدامتها، تسعى الصين إلى استغلال الدول النفطية المأزومة لتعظيم مكاسبها النفطية، وهو ما ينسحب على حالة إيران، ولعل ما يؤكد العلاقة القوية بين المصالح النفطية الصينية والاتفاق حصول الصين، بموجب الاتفاق على تسهيلاتٍ كبيرةٍ في هذا المجال شملت إمكانية الدفع الآجل، والدفع بالعملة الوطنية الصينية، بجانب نسبة الخصم المرتفعة على أسعار السوق والتي قدرت بحوالي 32%..

توفير البيئة المناسبة لنجاح مبادرة الحزام والطريق؛ تحظى المبادرة باهتمام بالغ من جانب الصين، بالنظر لعوامل عدة، منها ارتباطها باسم الرئيس الصيني “شي جينبينغ”، وتحولها إلى إستراتيجية متكاملة لمعالجة عددٍ من المشكلات الاقتصادية الداخلية، بدءًا من مشكلة التنمية غير المتوازنة، سواء بين الأقاليم الساحلية الشرقية وأقاليم الوسط والغرب، أو بين الريف والحضر، ومشكلة الفائض في القدرات الإنتاجية بسبب عدم قدرة السوق المحلية على استيعاب هذه القدرات، ما دفع مخططي السياسات الاقتصادية والتنموية إلى إعادة بناء مصادر النمو الاقتصادي الصيني، في اتجاه الاعتماد على الطلب الخارجي، من خلال نقل هذا الفائض إلى الأسواق الخارجية وزيادة حصة الشركات الصينية من سوق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم، وتصدير فائض الوفورات المالية إلى الخارج في شكل القروض.

وتحتل بعض الدول أهمية خاصة على مسارات الحزام والطريق، منها: باكستان (من خلال الممر الاقتصادي الصين – باكستان) وإيران (من خلال الممر الاقتصادي الصين – غرب آسيا – أوروبا)، في هذا السياق، تحظى إيران بثقل نسبي بالنسبة للصين في إطار المبادرة باعتبارها منطقة عبور مهمة بين الصين ووسط آسيا، وصولًا إلى السواحل الأوروبية على البحر الأبيض المتوسط، ما يعني أن إيران تمثل وجهة مهمة للاستثمارات الصينية؛ خاصة في مجالات البنية التحتية والموانئ البحرية.

فتح أسواق جديدة لصادرات السلاح؛ فقد انحصرت مصادر التسليح بالنسبة لإيران خلال العقدين الأخيرين (2000-2020) في خمسة مصادر فقط، هي: روسيا، والصين، وأوكرانيا، وكوريا الشمالية، وبيلاروس، حيث بلغت قيمة واردات السلاح من هذه الدول الخمس خلال هذه الفترة: 2080، 781، 262، 257، 53 مليون دولار على الترتيب، بإجمالي 3433 مليون دولار.

 ومن المتوقع: حدوث منافسة بين الصين وروسيا على سوق السلاح الإيرانية؛ خاصة في ظل سعي إيران المسبق للحصول على طائرات  Su-30، Yak-130، والدبابة T-90 ونظام الدفاع الجوي  S-400  الروسية، لكنها لم تستطع بسبب الحظر الذي ارتبط أيضًا بتوقيع الاتفاق النووي في 2015.

ومن المؤشرات المهمة أيضًا على طموح الصين النفاذ إلى سوق السلاح الإيرانية موافقة اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني (البرلمان)، في 17 أكتوبر 2020، على “قانون الرقابة على صادرات السلاح” Export Control Law. وقد بدأ سريان القانون في الأول من ديسمبر 2020.

ورغم أن مشروع القانون يعود إلى عام 2017، لكن تسريع إصداره بالتزامن مع وقف الحظر المفروض على إيران يحمل دلالات مهمة؛ ذلك أنه رغم أن القانون يهدف إلى وضع ضوابط شاملة على صادرات السلاح الصينية إلى الخارج، بدءًا من تحديد قوائم صادرات السلاح التي تخضع للقانون، سواء المنتجات العسكرية والمواد النووية وغيرها من السلع والتقنيات والخدمات ذات الطبيعة العسكرية، أو المواد ذات الاستخدام المزدوج، وانتهاءً بوضع جزاءات على الشركات الصينية التي قد تخالف القانون؛ إلا أن قراءة دقيقة للقانون تشير إلى أنه يمثل رسالة صينية للولايات المتحدة والمجتمع الدولي بأن الصين لديها قانون ومعايير شاملة ومحددة لتنظيم صادرات السلاح، على عكس ما يُشاع حول تركيزها على الدول المزعزعة للأمن الإقليمي والعالمي.

موازنة النفوذ الأمريكي؛ بالإضافة إلى المصالح الثلاث السابقة لا يمكن استبعاد سعي الصين توظيف علاقاتها مع إيران لموازنة النفوذ الإيراني في إقليم الشرق الأوسط، وتمثِّل إيران هنا ورقة مهمة، لعوامل تتعلق بطبيعة العلاقات الإيرانية – الأمريكية، وطبيعة منطقة الخليج العربي باعتبارها منطقة نفوذ تقليدي للولايات المتحدة، فضلًا عن أهمية المنطقة بالنسبة للصين كمصدر لنسبة مهمة من وارداتها النفطية.

ويزيد من أهمية إيران أيضًا امتلاكها عدد مِن الموانئ المطلة على الخليج العربي، ومضيق هرمز، والمسطحات المائية المرتبطة بالمحيط الهندي، ذات الأهمية الإستراتيجية للتجارة الدولية(4).

يأتي الاتفاق الصيني – الإيراني الأخير في ظل نشاط دبلوماسي واقتصادي وعسكري متزايد من جانب بكين في المنطقة، حيث أقامت الصين علاقات دبلوماسية قوية مع جميع دول منطقة الشرق الأوسط، كما رفعت علاقاتها مع 13 دولة في المنطقة إلى مستوى “الشراكات الإستراتيجية”.

ومن ناحية أخرى: أصبحت بكين أيضًا أكبر شريك تجاري ومستثمر رئيسي في المنطقة منذ عام 2016، وفي العام التالي أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي.

ومن جهة ثانية: تعاونت الصين مع غالبية دول الشرق الأوسط، خاصة مصر والإمارات، في مجال مكافحة جائحة كوفيد 19، خاصة فيما يتعلق بإنتاج اللقاحات، كما استمرت المساعدات الصينية سواء للشعب الفلسطيني واللاجئين الفلسطينيين في الدول المجاورة، أو للشعب السوري وغيره في مناطق الصراع.

وفيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، أكَّدت الصين مرارًا على أن الوضع المتأزم الحالي ناجم عن انسحاب الولايات المتحدة الأحادي الجانب من هذا الاتفاق، وحثت بكين الولايات المتحدة على رفع عقوباتها غير المشروعة على إيران، واستئناف تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة، بشكل شامل وغير مشروط(5).

المصالح الإيرانية:

هناك ثلاث مصالح إيرانية أساسية لدى الصين، هي:

معالجة الأزمة الاقتصادية: تمثِّل معالجة تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني، بسبب العقوبات الأمريكية، إحدى المصالح الأساسية للنظام الإيراني لدى الصين، خاصة بعد فشل إيران في ضمان استمرار الاستثمارات الأوروبية، وعدم فعالية الآليات الأوروبية للتغلب على هذه العقوبات، خاصة “آلية دعم التبادل التجاري” (إنستيكس)Instrument in Support of Trade Exchanges (INSTEX) .[6]  وتزداد جاذبية الصين في هذا السياق بالنظر إلى ما تمتلكه من وفورات مالية ضخمة، والموقع المهم الذي تحتله إيران على مسار الحزام والطريق ما يمثل ورقة إيرانية مهمة لجذب الاستثمارات الصينية خاصة في مجالات البنية التحتية، والوزن النسبي المهم لإيران داخل سوق النفط، فضلًا عن ما يجمع الطرفين من علاقة متدهورة مع الولايات المتحدة، ما يوفر فرصة لصياغة خطاب جامع بينهما.

موازنة الضغوط الأمريكية: زادت أهمية هذا العامل خلال الفترة الأخيرة، على خلفية التدهور الذي شهدته العلاقات الإيرانية-الأمريكية عقب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في مايو 2018، وما تبع ذلك من تطبيق الولايات المتحدة سياسة “الضغوط القصوى” على إيران بهدف إجبارها على قبول التفاوض على نسخة معدلة من الاتفاق النووي وفقًا لشروط أمريكية تضمن عدم تحول إيران إلى قوة نووية، وتنهي السقف الزمني للاتفاق، بجانب إعادة النظر في السياسة الإيرانية في الإقليم والقدرات الصاروخية الإيرانية.  

النفاذ إلى صادرات السلاح الصينية: كما سبق القول من المتوقع أن يزداد حجم الطلب الإيراني على السلاح، ورغم أن إحصاءات ورادات السلاح الإيرانية خلال العقدين الأخيرين تشير إلى أن روسيا تمثِّل المصدر الأول لهذه الواردات، لكن الصين تمثِّل المصدر الثاني مباشرة بعد روسيا(6) (7).

الولايات المتحدة في الصورة:

رغم الغموض المتعمد الذي يكتنف تلك الوثيقة فإنه من الواضح أن التوقيت ليس بريئًا على الإطلاق، فقد تم توقيعها في وقت تمارس فيه طهران أقصى ما يمكنها من الضغوط على واشنطن خلال المفاوضات بينهما حول سبل العودة إلى الاتفاق النووي، مما يمثِّل ضغطًا واضحًا على إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي لم يخفِ مخاوفه وقلقه الشديد من هذا الاتفاق.

فهذه الخطوة تمنح الصين أيضًا ورقة مساومة تقوي موقفها التفاوضي في أي مباحثات لها مع واشنطن، وتبرز قدرتها على خلط الأوراق الأمريكية في الشرق الأوسط التي كانت منطقة نفوذ أمريكية على مدى عقود، للرد على محاولات واشنطن إرباك أوراق الصين في جنوب آسيا وشرقها، إذ تسعى بكين لتخفيف الضغط عليها في بحر الصين الجنوبي، والالتفاف على المحاولات الأمريكية لتطويقها بالتعاون مع اليابان والهند وأستراليا  في إطار الحوار الأمني الرباعي، المعروف باسم: كواد̔ (Quad)، والذي عُقدت قمة افتراضية بين زعمائه في الثاني عشر من مارس الماضي، أي: أن الخطوة الصينية قد تسهم في تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى ساحة من ساحات الصراع الدولي بين القوى الكبرى(8).

تداعيات محتملة:

الحديث عن التداعيات الإستراتيجية المحتملة للاتفاق يقتضي الانطلاق من افتراض أنه اتفاق ذو طابع إستراتيجي، لديه القدرة على البقاء والاستمرار، ولدى طرفيه القدرة على تنفيذه، وتأتي أهمية التأكيد على هذا الافتراض في ضوء وجود وجهة نظر أخرى حول طبيعة الاتفاق، وفرص تنفيذه سيتم مناقشتها لاحقًا.

وفيما يلي إشارة لأهم التداعيات المحتملة للاتفاق استنادًا إلى الافتراض السابق:

الاتفاق الصيني – الإيراني، حال تطبيقه على أرض الواقع، سيمنح الصين بلا شك وجودًا إستراتيجيًّا في المنطقة ويرفع مكانتها كقوة اقتصادية، وربما أيضًا كقوة عسكرية، كما سيوفر هذا الاتفاق لطهران “عجلة خلاص” لاقتصادها المنهار، وإمكانية لتجاوز العقوبات الأمريكية، ولكن من وجهة نظر إستراتيجية وعسكرية، قد يؤدي تنفيذ هذا الاتفاق، وخاصة تلك البنود المتعلقة بالتكنولوجيا والتعاون العسكري والاستخباري، إلى إلحاق ضرر بقدرة المجتمع الدولي على إحباط البرنامج النووي الإيراني، خاصة إذا ما قررت إيران “الانطلاق” إلى القنبلة النووية.

كذلك قد يؤدي تفعيل هذا الاتفاق على أرض الواقع إلى تدهور علاقات بكين مع معظم دول الخليج العربية، فعلى سبيل المثال: ألمحت السعودية مرارًا إلى أنها لا تهتم كثيرًا بتبني عملية تدريجية من شأنها أن تسمح لإيران بالاندماج في محيطها الإقليمي قبل تناول القضايا الشائكة، وفي مقدمتها فرض قيود على برنامج إيران للصواريخ الباليستية؛ بالإضافة إلى إنهاء دعمها للميليشيات الموالية لها في العراق وسوريا وأذرعها المتمثلة خاصة بحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.

وفي ضوء ذلك: يرى عدد من المراقبين أنه ليس من الوارد في المدى المنظور تفعيل الاتفاق الصيني – الإيراني على أرض الواقع، حيث يوجد على الأقل عاملان مهمان من شأنهما التأثير السلبي على هذا الاتفاق، وهما: أولًا: توقع عدم استسلام الولايات المتحدة، وحلفائها الرئيسيين في المنطقة، وخاصة إسرائيل ومعظم دول الخليج العربي، تجاه “كابوس” تعاظم التعاون بين بكين وطهران، فعلى الأرجح سوف تكون هناك مساعٍ حثيثة من جانب واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط للضغط على الصين لتقييد تعاونها مع إيران.

وثانيًا: معارضة بعض الشخصيات العامة والسياسية في إيران لاتفاق الشراكة مع الصين نظرًا لسرية بنوده وعدم إعلانه بشكل شفاف وواضح أمام الشعب، فضلًا عن إمكانية أن يسمح للصين بنفوذ اقتصادي كبير على القطاعات الحيوية في البلاد.

 وسوف تزداد خطورة هذه المعارضة في الفترة التي ستسبق الانتخابات العامة المقررة في البلاد هذا الصيف، حتى إن بعض الخبراء يرى أن اتفاق بكين الأخير مع إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني، التي تتأهب للرحيل في الانتخابات المقبلة، قد لا يساوي أكثر من قيمة الورق الذي كتب عليه.

ومع ذلك يمثِّل الاتفاق الصيني – الإيراني تطورًا مهمًّا للغاية؛ لأنه يأتي بعد عقود من التردد في بكين بشأن تحدي واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، كما يمثِّل هذا الاتفاق أيضًا إشارة واضحة على بروز بكين في المشهد الشرق أوسطي بقوة، وعلى رغبة صينية جامحة لا تخطئها عين للحصول على موطىء في واحدة من أكثر المناطق غير المستقرة في العالم؛ فكيف سيكون مستقبل منطقة الشرق الأوسط في وجود تنين صيني يستعد لوضع إحدى قدميه لأول مرة على شواطئ الخليج العربي، بعد أن وضع قدمه الأخرى في جبيوتي وأصبح الشريك التجاري الأول لمعظم دول المنطقة؟ وهل سيؤدي زيادة النفوذ الصيني في المنطقة إلى تحقيق الأمن والاستقرار فيها أم أنه سوف يصب مزيدًا من الزيت على النار المشتعلة في المنطقة؟ أسئلة توحي في مجملها بأن منطقة الشرق الأوسط ربما تكون مقبلة على استحقاقات إستراتيجية لا تبدو هينة(9).

وفي الواقع  ليس مِن الواضح كيف ستؤول إليه طبيعة هذه الشراكة الصينية الإيرانية على المدى القريب والبعيد ولا النتائج، أو حتى الضمانات التي ستؤكد على الالتزام الصيني بها، لذلك  يمكن القول: إن الاتفاقية تعد خطوة جيدة إلى حد ما تدفع بعجلة التعاون الاقتصادي بين البلدين، وفرصة جديدة لتوطيد علاقات الصداقة المتبادلة بين الطرفين، كما يمكن وصفها أنها إستراتيجية مستقبلية طموحة تجاه الديناميكيات الجيوسياسية الحديثة في الشرق الأوسط، من جهة تقدم ايران للعالم دليلًا آخر على أن طموحات سياستها الخارجية ومصالحها ستمتد إلى ما هو أبعد من منطقة الشرق الأوسط، وبالنسبة لأولئك الذين يفسِّرون هذه الشراكة من منظور طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين، فإن تقارب إيران مع الصين هو محاولة جيدة لتعميق علاقاتها ودبلوماسيتها مع الصين والغرب في منطقة الشرق الأوسط، ومن زاوية أخرى  يمكن  تفسيرها على أنها مبادرة غير مباشرة تحاول عبرها ايران تجسير الهوة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، والأطراف الإقليمية، وهذا طبعًا تفسير نسبي في انتظار ردود الفعل المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية التي أبدت نيتها للعودة إلى الاتفاق النووي.

وحقيقة الأمر على المستوى الاقتصادي والجيوسياسي أدَّى النفوذ الاقتصادي الصيني المتنامي إلى زيادة النفوذ الدبلوماسي لبكين إلى حدٍّ كبيرٍ مما مكنها من الوصول إلى البلدان النامية الغنية بالموارد في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وإفريقيا؛ لذا تعمل الصين من خلال مبادرة الحزام والطريق من أجل تعزيز تموقعها الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، بعبارة أخرى هذه الاتفاقية من شأنها أن تساهم في علو نهج البراغماتية الاقتصادية الصينية، وكبح المصالح الغربية خاصة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية بطريقة غير مباشرة دون الدخول في صراعات معها أو مع الغرب، خاصة وأن ايران كثيرا ما تعتمد على ورقة الصين وروسيا في كسب تأييد لقضاياها العالقة مع أمريكا داخل الأمم المتحدة، كما ستمنح الاتفاقية الصينيين موقعًا إستراتيجيًا على المياه التي  تشكل معبرا استراتيجيا لنفط العالم(10).

مستقبل الاتفاق: سيناريوهات مختلفة:

مع أهمية الاتفاق وما يمثِّله من نقلة محتملة في العلاقات الصينية -الإيرانية، لكن لا يمكن مع ذلك القطع بمستقبل محدد للاتفاق، ومِن ثَمَّ تداعياته الإستراتيجية، ففي الوقت الذي دافعت فيه العديد من الكتابات عن الطابع الإستراتيجي للاتفاق، وما يمثله من نقطة تحول ضخمة في طبيعة السياسات الصينية في الشرق الأوسط، يظل هناك اتجاه آخر مهم يدافع عن ضرورة عدم تضخيم الاتفاق، وينحاز مِن ثَمَّ لاستنتاج مفاده: أن الاتفاق تحركه بالأساس الدوافع والمصالح الاقتصادية والتجارية الصينية، ومصالح إيرانية تتعلق بالعقوبات الأمريكية، ومقتضيات إدارة مرحلة ما قبل العودة إلى الاتفاق النووي، وشروط هذه العودة.

السيناريو الأول: اتفاق استراتيجي طويل الأمد:

تعتمد وجهة النظر القائلة بأن الاتفاق الصيني – الإيراني هو اتفاق ذو طابع إستراتيجي طويل الأمد، يؤسس لنقلة نوعية في طبيعة السياسة الصينية في الشرق الأوسط في اتجاه تأكيد دورها العالمي، وأنه قد يدشن لتحالفات وقواعد لعبة جديدة في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، على عددٍ مِن الحجج:

أولها: السياق العام لتوقيع الاتفاق، خصوصًا فيما يتعلق بطبيعة المرحلة التي تمر بها العلاقات الصينية-الأمريكية التي أخذت مسارًا صراعيًّا،؛ خاصة منذ منتصف عام 2018، وهو مسار لم يعد يقتصر على القضايا التقليدية (قيمة العملة الوطنية الصينية، بحر الصين الجنوبي، حقوق الإنسان)، لكنه بات يشمل قائمة كبيرة من القضايا الجديدة؛ بالإضافة إلى هذه القضايا التقليدية، مثل: حرب الرسوم الجمركية، وهونج كونج، وتايوان، وتكنولوجيا الجيل الخامس، وموازين القوى والنفوذ داخل منطقة الإندو-باسيفيك، والتحالفات الأمريكية في آسيا، إلخ.

ثانيها: يتعلق بضرورة ربط هذا الاتفاق، وما يتضمنه من امتيازات صينية في مجال الموانئ البحرية الإيرانية، بالتوجه الصيني للنفاذ إلى أكبر عددٍ ممكن من الموانئ المرتبطة بالمحيطين الهادئ والهندي، في إطار ما بات يُعرف في كتابات أمريكية عديدة بنظرية: “عقد اللؤلؤ” strings of pearls، سواء من خلال الحصول على امتيازات عسكرية داخل هذه الموانئ، أو امتيازات اقتصادية وتجارية، كما شمل في بعض الحالات تطوير البنية التحتية في هذه الموانئ.

وتراوحت مدة عقود الامتياز الصيني بهذه الموانئ بين (10-99) عامًا، بهذا المعنى، فإن نفاذ الصين إلى الموانئ الإيرانية بات حلقة مهمة في هذه الإستراتيجية الصينية.

ثالثها: يتعلق بما قد يترتب على الاتفاق من تعميق العلاقات العسكرية بين الجانبين، بما يتضمنه ذلك من انعكاسات على موازين القوى وقواعد اللعبة في الإقليم، ووفقًا لأحد التقارير، فإن الاتفاق يتضمن بنودًا سرية تسمح بنشر قاذفات وقطع عسكرية صينية بالقرب من مطارات “همدان” و”بندر عباس”، وتشابهار” و”أبادان”، مثل: طائرات Tupolev Tu-22M3 طويلة المدى، وهي نسخة صينية معدلة من الطراز الروسي؛ بالإضافة إلى الحق في استخدام السفن العسكرية الصينية الموانئ الإيرانية الرئيسة في تشابهار وبندر بوشهر وبندر عباس.

السيناريو الثاني: اتفاق ذو طبيعة اقتصادية وقد يتعرض للتجميد:

على العكس من الاجتهادات التي طُرحت بشأن التداعيات الإستراتيجية للاتفاق، هناك اتجاه آخر يرى أن الاتفاق هو اتفاق اقتصادي بالأساس، بل إنه لا يمكن استبعاد سيناريو تحوله إلى “حبر على ورق” دونما أية تداعيات مهمة، هذا الاتجاه يدعمه عدد من الأسانيد:

أولها: أنه ليس من المتوقع تنفيذ الوعود الصينية بشأن الاستثمارات المخططة، والمقدرة بنحو 400 بليون دولار خلال 25 عامًا، أي: بمتوسط 16 بليون دولار سنويًّا.

هناك عوامل عديدة قد تحول دون تدفق هذا الحجم الضخم من الاستثمارات الصينية طالما استمرت العقوبات الأمريكية على إيران؛ صحيح أن الشركات الصينية في مختلف القطاعات تعمل بالتنسيق مع الحكومة، وأن بعضها يواجه مشكلة فائض في القدرات الإنتاجية داخل السوق الصينية، لكنها لا يمكنها -في الوقت نفسه- تجاهل التكاليف الاقتصادية والسياسية لقرارات الاستثمار في إيران، خاصة في حالة تزايد حدة الصراع الصيني – الأمريكي، وتوالي قرارات العقوبات الأمريكية المفروضة على الكيانات الاقتصادية الصينية.

وتشير خبرة الاستثمارات الصينية في إيران خلال السنوات التالية على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في مايو 2018 إلى عدم قدرة الشركات الصينية على تجاهل هذه العقوبات، فقد تبع هذا الانسحاب واستئناف العقوبات اتجاه هذه الشركات إما إلى تجميد استثماراتها أو الخروج من إيران. ولم يقتصر الأمر على الاستثمارات، فقد تبع استئناف العقوبات تراجع كبير في حجم الواردات الصينية من النفط الإيراني.

وحتى إذا تم استبعاد التأثير الراهن لعامل العقوبات الأمريكية، فإن الاستثمارات الصينية في إيران هي استثمارات محدودة، إذ بلغت في المتوسط 1.8 بليون دولار سنويًّا منذ عام 2005، ومِن ثَمَّ من الصعب أن يقفز هذا الرقم بشكل مفاجئ إلى 16 بليون دولار سنويًّا في المتوسط خلال العقدين ونصف القادمين.

وتجدر الإشارة أيضًا: أن النسخة المسربة من الاتفاق لم تتضمن أية إشارات إلى حجم الاستثمارات الصينية المخططة في إيران.

وفي أفضل السيناريوهات، فإن تكلفة الاستثمارات الصينية في إيران في ظل العقوبات الأمريكية ستكون كبيرة، فمن المتوقع أن تحصل الصين على امتيازات ضخمة مقابل تدفق هذه الاستثمارات، بالنظر إلى الوضع التفاوضي الضعيف لإيران (بدائل محدودة جداً لمصادر الاستثمارات الأجنبية) مقابل امتلاك الشركات الصينية فرص واسعة للاستثمار الخارجي.

على سبيل المثال: تشير مصادر عدة إلى حصول الصين –بموجب الاتفاق- على النفط الإيراني بنسبة تصل إلى 32% أقل من سعر السوق، وهذا مثال للتكاليف الاقتصادية الإيرانية لتدفق الاستثمارات الصينية.

وحتى فيما يتعلق بالجوانب السياسية في الاتفاق فإنه يصعب على أي من طرفي الاتفاق مساعدة الآخر في مواجهة مشكلته الأساسية، وهي العلاقة مع الولايات المتحدة.

ثانيها: أنه من الصعب على الصين التضحية بعلاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات، فقد أثبتت خبرة الأزمة الإيرانية – الأمريكية أن دول المجلس تظل هي البديل الأفضل والأكثر قابلية للاعتماد عليه في ظل هذا النوع من الأزمات النفطية.

فقد تبع الأزمة تراجع كبير في حجم الواردات الصينية من النفط الإيراني مقابل تزايد هذه الواردات من السعودية والعراق؛ هذا الدرس بالتأكيد سيظل أحد المحددات المهمة في السياسة الصينية تجاه المنطقة مستقبلًا.

يرتبط بذلك إدراك الصين أن مصالحها الأساسية في الإقليم، وعلى رأسها ضمان تدفق النفط ونجاح الحزام والطريق، مرهونة باستقرار الإقليم، ورغم الوزن المهم لإيران على مسار مبادرة الحزام والطريق، فإن موقع دول مجلس التعاون الخليجي لا يقل هو الآخر أهمية، خاصة في ظل اندماج دول المجلس في المبادرة.

الخيارات المتاحة أمام دول مجلس التعاون الخليجي:

تعتمد الخيارات المتاحة لدى دول مجلس التعاون الخليجي للتعامل مع الاتفاق الصيني – الإيراني وتداعياته المحتملة على طبيعة الاتفاق في ظل وجهتي النظر السابقتين، والمسار الذي يمكن أن تأخذه العلاقات الصينية – الإيرانية خلال المرحلة المقبلة، وأخيرًا: على المدى الزمني لبناء هذه الخيارات.

وبشكل عام، يمكن التمييز بين خيارات مقترحة على المدى القصير وأخرى على مدى زمني أبعد.

  1. على المدى القصير:

على المدى الزمني القصير يُقترح تركيز دول المجلس على المحاور التالية:

عدم إدخال أية تغييرات على طبيعة سياسات دول المجلس تجاه الصين، على أي من المستويات السياسية أو الاقتصادية، بل على العكس، سيكون من الأفضل في هذا السياق الاستمرار في تعميق الشراكات الإستراتيجية مع الصين، بما في ذلك استمرار الاندماج في الحزام والطريق، بجانب استمرار الحوار مع الصين بشأن دورها في المنطقة، والتداعيات التي يمكن أن يرتبها تعظيم دور إيران بالنسبة للاستقرار الإقليمي؛ بالإضافة إلى اتجاهات مبيعات السلاح الصينية في الإقليم وتأثيرها على الأمن الإقليمي.

تجنُّب الانخراط في أية مشروعات لتحالفات جديدة في المنطقة على أرضية احتواء الصين في الإقليم أو كرد فعل على الاتفاق الصيني – الإيراني، دون أن يعني ذلك تحجيم علاقات دول المجلس مع الدول المتضررة أو الرافضة أو المعنية بتداعيات الاتفاق على مصالحها (الهند، وإسرائيل، وباكستان).

الحفاظ على العلاقات السياسية والأمنية مع الولايات المتحدة عند مستواها الراهن.

وتستند المقترحات السابقة إلى عدد من الحجج، أبرزها عدم اتضاح الطبيعة النهائية للاتفاق، وعدم اتضاح تداعياته الاستراتيجية المحتملة، من ناحية، كما أن التعامل السلبي المبكر مع الاتفاق قد يمثِّل عاملًا في دفع العلاقات الصينية-الإيرانية في اتجاه سلبي، ودفع العلاقات بين دول المجلس والصين في اتجاه صيغة المباريات الصفرية، وهو أمر غير مطلوب.

  1. على المدى المتوسط:

تعتمد السياسات المقترحة على المدى المتوسط على مدى اتضاح طبيعة الاتفاق والمسار الذي ستأخذه العلاقات الصينية – الإيرانية استنادًا إلى هذا الاتفاق، واتفاق الشراكة الإستراتيجية الشاملة الموقع في 2016.

ويمكن في هذا السياق تصور ثلاثة سيناريوهات:

السيناريو الأول: تجميد الاتفاق أو عدم تنفيذه لأسبابٍ تتعلق باستمرار العقوبات الأمريكية على إيران، أو تسوية أي من الصين أو إيران، أو كلتيهما، أزماتها مع الولايات المتحدة؛ إذ من المتوقع في هذه الحالة مراجعة أي منهما أو كلتيهما للاتفاق، خاصة في حالة تضمين هذا الملف أية مباحثات أو تسويات بين أي منهما والولايات المتحدة.

السيناريو الثاني: هيمنة الطابع الاقتصادي والتجاري للاتفاق، بما يتضمنه ذلك من تعزيز علاقات التجارة والاستثمار بين الجانبين، دونما تغير كبير في طبيعة العلاقات الأمنية. وفي حالة تطور أي من هذين البديلين سيكون من الأفضل اتباع دول المجلس السياسة ذاتها المقترحة على المدى القصير.

السيناريو الثالث: تكريس الاتفاق لعلاقات أمنية وعسكرية بين الصين وإيران، وتحول الأخيرة إلى نقطة ارتكاز صينية في الإقليم في مواجهة النفوذ الأمريكي وتحالفاتها القائمة في الإقليم. وفي هذه الحالة سيكون على دول المجلس اتخاذ قرارات استراتيجية بشأن علاقاتها مع الصين، وبشأن التحالفات الجديدة المتوقعة بالإقليم، إذ قد يصبح من الضروري الدخول في شبكة من التحالفات الموازنة طبقًا للمدى الذي ستأخذه العلاقات الصينية – الإيرانية(11).

1_ التقرير/ اتفاق التعاون الشامل بين الصين وإيران/ هيام القزاز

2_ مركز الإمارات للسياسيات/ الاتفاق الإيراني-الصيني وتداعياته الاستراتيجية/ محمد فايز فرحات

3_ مركز الأهرام للدراسات/ بعد الاتفاق الصيني – الإيراني .. هل تعزز بكين نفوذها في الشرق الأوسط؟/ أحمد قنديل

4_ مركز الإمارات للسياسيات/ الاتفاق الإيراني-الصيني وتداعياته الاستراتيجية/ محمد فايز فرحات

5_ مركز الأهرام للدراسات/ بعد الاتفاق الصيني – الإيراني .. هل تعزز بكين نفوذها في الشرق الأوسط؟/ أحمد قنديل

6_ مركز الإمارات للسياسيات/ الاتفاق الإيراني-الصيني وتداعياته الاستراتيجية/ محمد فايز فرحات

7_ التقرير/ اتفاق التعاون الشامل بين الصين وإيران/ هيام القزاز

8_ إضاءات/ الاتفاق الإيراني الصيني: مناورة أم تحالف استراتيجي؟/ إسلام المنسي

9_ مركز الأهرام للدراسات/ بعد الاتفاق الصيني – الإيراني .. هل تعزز بكين نفوذها في الشرق الأوسط؟/ أحمد قنديل

10_ الرأي/ الاتفاق الصيني الايراني قراءات في أبعاد البراغماتية الصينية الايرانية/ سامية بن يحيى

11_ مركز الإمارات للسياسيات/ الاتفاق الإيراني-الصيني وتداعياته الاستراتيجية/ محمد فايز فرحات.

التعليقات مغلقة.